“سكت دهرا ونطق عهرا”

بعد أن انتظر الرأي العام الوطني والدولي عدة سنوات إفصاح الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز عن حجم ممتلكاته ومصدرها فاجأهم اليوم بخرافة أشبه بترهات الكهنة والمشعوذين منها بأدلة وبراهين ووثائق انتظرها الناس طويلا…لقد “تمخض الجبل فولد فأرا”.

قصة الرئيس السابق مع “الصناديق” حكاية عشق لاتنتهي..فبعد عقد من الزمن على “صناديق أكرا” هاهو يعيد الكرة مرة أخرى، مدعيا أن مصدر جل ثروته (60%): صندوقان من العملة الصعبة سلمهما له الرئيس الحالي نهاية عشريته التي حاز خلالها أموالا طائلة، ولم يسحب أوقية واحدة من راتبه، حسب تصريحه أمام وسائل الإعلام.

استغل ولد عبد العزيز الفرصة التي يمنحها له القانون بأن يكون آخر المتحدثين؛ حيث لا تعقيب ولا مساءلة، فأدلى بهذا التصريح المضحك، بالفعل لقد “سكت دهرا ونطق عهرا”، فلا حجم الممتلكات الموثقة قبل هذا التاريخ، و لا شهادات المقربين والمعارف والموظفين، ولا كم الاستثمارات والتجارة التي قال إنه يمارسها تدع مجالا لتصديق هذا الادعاء ولو بنسبة ضئيلة.

ولو صدقنا –جدلا- قصة الصناديق، فهي وقعت في سنة 2019، و مليارات ولد غدة وولد سلمان سبقت ذلك ولم يصرح بها، وإذا كانت الصناديق المزعومة مصدرا لحوالي 60% من ثروته، فهذا اعتراف صريح بأن 40% ما يزال مصدرها مجهولا، وهي نسبة معتبرة تكفي للإدانة.

لماذا تكتم الرئيس السابق طيلة هذه الفترة على هذه المعلومة؟ ولم يصرح بها لا أمام القضاء ولا اللجنة البرلمانية، ولا الإعلام، وأين هي الأدلة التي ستنفند التهم والشهادات والأموال والممتلكات المحجوزة؟ ومن أين مصدر البقية المتبقية من الثروة؟ وهل هناك صناديق أخرى؟ ومن سيصدق ولد عبد العزيز بعد هذا التصريح؟! أسئة من بين أسئلة كثيرة أثارتها شهادة اليوم، و “ستكتب شهادتهم ويسألون”.

لم يعتقد الشارع الموريتاني أن نهاية المحاكمة ستكون أحجية أو أقصوصة من حكايات “تيبة”، لكن صروف الدهر، والمكابرة، والانتهازية قد تصنع الأفاعيل، فقد صدق الشاعر:
إذا عير الطائي بالبخل مادر** وعير قساً بالفهاهة باقل
وقال السهى للشمس أنت كسيفة** وقال الدجى للبدر وجهك حائل
فيا موت زر إن الحياة ذميمة** ويا نفس جدي إن دهرك هازل.

زر الذهاب إلى الأعلى