الكذبة الأخيرة.. محمد ناجي أحمدو
هذا الرجل الذي كان يخنق الحملة ماليا، يأتي ليقول لنا بعد سنوات من التحقيق والتردد بين محاضر الشرطة ومخافرها، يطلع علينا مسيلمة مبشرا بكذبته الأخيرة..
هل هناك من سيصدق أن الرجل الذي “يسب على البلاط” كان يحتجز حقيقة مثل هذا الاتهام السخيف كل هذه المدة، دون أن يسربه لأحد؟
هل تعتقدون أن الرجل الذي كان يسجل مكالمات أصدقائه وخصومه، وكل محادثاته يحتفظ منها بما يدين من يعتبره خصمه الأول؟
طوال عشر قرابة خمس عشرة سنة تولى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني منصبين تسييريين؛ هنا إدارة الأمن وقيادة أركان الجيوش، ومرت من هذين المرفقين مئات المليارات، ومع ذلك لم يستطع خصم أو صديق، صادقا أو كاذبا، أن ينسب إليه شبهة فساد واحدة.
وهو اليوم يتربع على كرسي الحكم في البلاد منذ أربع سنوات، مع تضاعف الميزانيات، وإغداق العالم، والمؤسسات المانحة آلاف القروض، بمئات المليارات، ولم يستطع أعتى خصومه أن ينسب إليه محاولة تربح واحدة!.
لم نسمع عن شركة مسجلة باسم أحد الأقارب تحيل إليها الرئاسة الصفقات، أو تدفع المؤسسات لمنحها العمولات.
لم يتعرض رئيس في تاريخ البلاد لما تعرض له الرئيس غزواني من حملات إعلامية؛ فقد انفجرت في عهده وسائل التواصل الاجتماعي ولفقت في حقه كل التهم، إلا تهمة واحدة، هي أن للرئاسة سماسرة يجوبون القطاعات بحثا عن أثر لصفقة، أو يتنقلون بين مكاتب الشركات بحثا عن عمولة!.
إذا كان ولد عبد العزيز يريدنا أن نصدق كذبته الأخيرة بخبر الصناديق، وقصته مع الصناديق لا تخلو من طرافة، فليخبرنا لماذا تأزمت الحملة ماليا حتى كاد يتوقف دوران عجلتها، لولا عودة المرشح على عجل والاستدانة لإنقاذ الوضع الكارثي!
إنها الحملة الأولى في التاريخ التي يواجه فيها مرشح الأغلبية عجزا ماليا ثلاثة أيام قبل يوم الاقتراع، ويضطر للاستدانة لإنقاذ الحملة المتوقفة، والسبب أن الرئيس حينها السجين اليوم وغدا كان يختزن كل درهم من اثنين يتم التبرع بهما للحملة.
الرجل الغارق في أوحال جرائمه التي كبل بها الموريتانيين، والذي تواجه ثرواته الهائلة خطر المصادرة، بعد أن جمعها من غير حلها ووضعها في غير محلها، يتشبث بأية قشة، ولو كانت جوديا، ويتمنى لو كانت جبلا يعصمه من الماء.
الأموال التي جمعت على هوامش ميزانيات الدولة طيلة عشر سنوات من الحكم المباشر لرئيس كان يفترض على الأسعار وهو في كرسي الرئاسة، وكان لعابه يسيل عند ذكر أي عمولة! بل كان لعابه يسيل من غير عمولة حتى! فقد فاوض على أسعار العقار وهو في كرسي الرئاسة، وناقش عمولات الصفقات عبر الهواتف الرسمية من المكتب الرئاسي، تؤكد لنا إن فرية المحكمة إحدى الأكاذيب المعتادة.
كذب علينا حين ادعى أنه لا يمتلك حفارة ولا آلية، وكذب علينا حين ادعى أنه لم يكن يتدخل في كل القرارات التسييرية، وكذب علينا حين ادعى أنه ترك الخزائن ملأى، وكذب علينا حين أخبرنا أنه تارك للسلطة، ولا يريد العودة إليها..
بعد أن صدقنا بعض كذباته، ولدغنا من ذلك الجحر، يريدنا أن نصدق كذبته الأخيرة.. هيهات!.
لقد عرفناك فودعوا وداعا غير هذا، حاول شيئا آخر دون أن نصدقك في الكذبة الأخيرة.. حاول شيئا آخر.. مثلا أن نرحمك لأنك لم تعد رئيسا، لأنك لا يمكن أن تعيش على ماضيك، لأنه غير صالح لأن يعاش عليه..
حاول مثلا أن تقنعنا بأنك مفكر، مؤلف كتب، كاتب مقالات وأنا يجب أن نتعاطف معك لأن كتبك ممنوعة من الطباعة بسبب آرائك الجريئة في الفلسفة مثلا، وأن حقوق ملكية أفكارك مسروقة كما قلت لنا ذات غفلة وأنت رئيس..
لكن لا تحاول أن تقنعنا ببراءتك، أو أن مصدر أموالك شيء غير احتيالك على الأموال العمومية، أو عمولات سماسرتك..