انتقاد تسامح مفتشية الدولة في تطبيق القانون.. وتضليل تقارير سلطة تنظيم الصفقات (تقرير)

قالت منظمة “الشفافية الشاملة”، إن ما أسمته “تسامح مفتشية الدولة” مع بعض التجاوزات المجرمة قانونا في مجال إنجاز الصفقات العمومية، و”تسترها على أسماء الشركات والأشخاص الخاصة، التي كانت ستستولي على المال العام دون وجه حق”، أثار اهتمامها لتعارضه مع مقتضيات قانون محاربة الفساد، ما دفعها إلى إجراء تقص معمق حول الموضوع.

وأضافت المنظمة في تقريرها الخاص حول الصفقات العمومية، إنه بناء على ذلك “وتجسيدا لدور المجتمع المدني وحق الشعب الموريتاني في النفاذ للمعلومات المتعلقة بالتحايل على موارده”، فإنها ستنشر يوم 21 من شهر ديسمبر الجاري، الملحق الأول لتقريرها، والمخصص لهذه القضية، والذي سيكون مدعما بالوثائق المفصلة، وسيكشف عن “أسماء الشركات والمتنفذين الذين شاركوا في عمليات الفساد، والطرق التي تم بها التآمر على موارد الدولة ومصالحها وتقاعس مفتشيه الدولة عن إنفاذ القانون وتكريس الإفلات من العقاب”.

وأشار التقرير إلى أن سلطة تنظيم الصفقات العمومية، “لم تحترم أيا من المهام الموكلة إليها”، حيث تم منح الكثير من صفقات التراضي التي لا تحمل صفة الاستعجال، دون احترام شروط وطرق اللجوء إلى صيغة التراضي، و”كل ذلك دون أي تدخل من السلطة”.

وتابع التقرير أن السلطة لم تنشر على البوابة الوطنية للصفقات العمومية في سنة 2022 أكثر من 20 صفقة في حين أن عدد صفقات التراضي لتلك السنة يفوق المائة.

وأشار إلى أن السلطة تصدر كذلك “تقارير مضللة، -تحول منها نسخ الرئيس الجمهورية ورئيس البرلمان- لا تمت للشفافية بصلة، حيث ورد في تقريرها لسنة 2020 أن مجموع صفقات التراضي بلغت 20 مليارا في حين أنها زادت على 40 مليار، وأن مجموع صفقات التراضي لسنة 2021 كان 18 مليارا في حين أن صفقات التراضي في تلك السنة زادت على 100 مليار”.

وأوصت المنظمة في ختام تقريرها بتسهيل نفاذ المجتمع المدني والإعلام الحر للمعلومات كشرط أساسي لنجاح الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ولإضفاء الجدية على الدعوات المتكررة للمسؤولين بضرورة مشاركة الكل في محاربة الفساد.

كما أوصت بالعدول عن قرارات رفع سقوف الصفقات الصغيرة، غير الخاضعة لرقابة اللجنة الوطنية لرقابة الصفقات وخفضها إلى أدنى المستويات والحد من صفقات التراضي وإخضاعها للقانون، فضلا عن إعادة النظر، بشكل شامل في طرق عمل هيئات الرقابة والتفتيش، وخاصة ما يتعلق ابلصرامة في تنفيذ القانون والوقوف دون الإفلات من العقاب.

وجاء في تقرير خاص بالصفقات العمومية ومشتريات الدولة للسنوات 2022 ,2021 و2020

ملخص عام

مدخل :

تستند منظمة الشفافية الشاملة الموريتانية غير الحكومية في عملها على القانون رقم: 004-2021، الصادر بتاريخ 10 فبراير 2021 وتجسيدا لروح الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد في مادتها 13 وللاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد.

وتسعى المنظمة الى خلق نوع جديد من الرقابة الجماعية يقوم على النشر والافشاء.

تعتمد المنظمة منهجية اليقظة تجاه موارد الدولة وسبل تحصيلها من جهة، وطرق توجيهها وصرفها من جهة أخرى وذلك من خلال التتبع الاستقصائي لكافة المداخيل العمومية والمشتريات وطرق منح الصفقات العمومية ومشاريع البنى التحتية والالتزام بالمواصفات الفنية وكذلك احترام القانون والمعايير في مختلف القرارات المالية والادارية.

تحاول المنظمة التصدي لكافة أنماط الفساد المنتشرة في بلدنا، الذي صنف في المرتبة 27 من أصل 54 على المستوى الإفريقي و130/180 على المستوى العالمي، حسب مؤشر الفساد في التقرير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لسنة 2022.

كما تحاول الوقوف في وجه آليات وفرص الافلات من العقاب السائدة منذ عقود، وذلك باستحداث أسلوب مختلف ومبسط في تقاريرها، يسعى الى كشف الاختلالات من خلال ملحقات تفصيلية تنشر منفردة ويتم تخصيص كل منها لملف محدد، بعد نشر ملخص التقرير العام .

تكشف المنظمة شبهات الفساد عن طريق نشر الملخص العام والملحقات وتسليم نسخ منها للجهات المختصة والمهتمة.

و يتناول هذا الملخص :

•      المناخ العام من خلال الخطاب الرسمي

•      تسيير موارد الدولة من خلال: طرق منح الصفقات وآليات تنفيذ المشاريع

•      سبل الوقاية من الفساد ورقابته وردعه من خلال: تقييم أداء عمل هيئات الرقابة ومؤسسات إنفاذ القانون .

ويركز هذا التقرير بشكل خاص على :

       ⁃     المفتشيةالعامةللدولة

       ⁃     سلطة تنظيمالصفقاتالعمومية

أولا: الخطاب الرسمي

1.     اتسمت السنوات الأخيرة بخطاب رسمي مناهض للفساد، حيث توجه رئيس الجمهورية بمناسبة تخليد الاستقلال الوطني يوم : 28/11/2021 ، بخطاب قال فيه: سنضاعف تركيزنا على إرساء حكامة رشيدة، وعلى محاربة كل أشكال الفساد. فالفساد، بطبيعته، مقوض لدعائم التنمية، بهدره موارد الدولة، وتعطيله المشاريع عن تحقيق أهدافها، وإخلاله بالعدالة التوزيعية للثروة، وهتكه قواعد دولة القانون، بما يضعف ثقة الأفراد فيها، ويصيب النسيج الاجتماعي في الصميم

2.     تم إلحاق المتفشية العامة للدولة بالرئاسة يوم 15/12/2021 وإعطائها دعما قيميا من خلال أداء أعضائها لليمين. كما تم تعزيز قدراتها من خلال اكتتاب الطواقم المتخصصة وحشد الموارد المادية اللازمة وتعيين مفتش عام جديد، وقد نظمت المفتشية في سابقة مهمة – في اطار الشفافية – مؤتمرا صحفيا بتاريخ 18/8/2022

3.     تم وضع استراتيجية وطنية لمحاربة الفساد بتاريخ: 23/12/2022 وقال وزير الاقتصاد بتلك المناسبة: سنحقق أربعة أهداف استراتيجية، منها :

•      استعادة الشفافية وتطوير النزاهة

•      خلق بيئة معادية للفساد

•      إشراك وتقوية الجهات الفاعلة

•      حماية القطاعات الأكثر ضعفاً

كما صادق مجلس الوزراء على هذه الاستراتيجية في منتصف السنة الموالية.

4.     أطلِقت الدعوات المتكررة من قبل المسؤولين على أعلى المستويات للصحافة المستقلة وللمجتمع المدني للمشاركة في جهود إرساء الشفافية وكشف الفساد

ثانيا: طرق منح الصفقات وانجازها

تعتبر الصفقات الصغيرة (المبالغ تحت السقوف المتعلقة بالصفقات العمومية) والاشغال التي تنفذ تحت هذا البند، أداة فعلية من أدوات الهدر والفساد، وقناة مفتوحة لتبديد ميزانيات التسيير والاستثمار في كل القطاعات. وقد ساهمت الحكومة في تفاقم مفعولها الخطير برفع سفقها مرتين، الأولى عبر المقرر 0835 بتاريخ 20/10/2020، إلى 20 و30 مليون أوقية قديمة، والرفع الثاني بموجب المرسوم 810 بتاريخ 17/08/2022 إلى 30 و50 مليونا.

تقوم هذه الصفقات على المفاضلة بين ثلاثة عروض، كثيرا ما تكون شكلية وتابعة لنفس المورد حيث ينافس نفسه باستخدام أسماء صورية بالاتفاق مع المسيرين، وهي طريقة يسهل فيها التحايل وطمس المعالم وسيتطرق ملحقنا الأول وملحقنا الثالث لنماذج فادحة منها بوثائق مفصلة تبين:

•      كيف أصبحت هناك شركات كبرى نافذة متخصصة في تضخيم الفوترة مستفيدة من رفع السقوف لهذه الصفقات، بالتآمر مع المسؤولين المستفيدين.

•      كيف يقوم بعض الأمناء العامون والمديرون باستخدام مؤسسات مسجلة باسم أفراد من عائلاتهم – ضاربين عرض الحائط بقانون تعارض المصالح – لنهب المال العام من خلال هذه الصفقات الصغيرة.

أما في مجال الصفقات الكبيرة، مناقصات كانت أو تراضيا، فقد طبعتها ظاهرتان أساسيتان هما التأخر الكبير في آجال التنفيذ بأضراره المعروفة بتعطيل مشاريع وبرامج الدولة وسوء التنفيذ الذي يتجلى في رداءة المنجز وعدم مطابقته للمواصفات وإخلاله بشروط دفتر الالتزامات.

وتعكس الاحصائيات التي أجرتها منظمتنا ارتفاعا ملحوظا وجنوحا لصفقات التراضي، حيث بلغت القيمة الإجمالية لها في سنة 2022: 129.917.310.550 اوقية قديمة وفي سنة 2021: 109.268.619.770 أوقية قديمة، مسجلة ارتفاعا كبيرا مقارنة بسنة 2020 حيث بلغت 40 مليارا فقط .

وحسب التحقيقات والمعاينات والاستشارات الفنية التي أجرتها المنظمة على عشرة نماذج مهمة من هذه الصفقات و قد استندت منظمتنا على المعايير التالية :

       ⁃     احترامالقانون

       ⁃     ترشيدالموارد

       ⁃     جودةالأشغال

       ⁃     احترامالآجال

       ⁃     استغلالالنفوذوالزبونية

كانت نتائج التحقيقات محبطة، وستنشر المنظمة، لأسباب تتعلق بمنهجها الاعلامي الساعي الى توعية المجتمع بمخاطر الفساد، ملحقا خاصا بكل صفقة بشكل منفرد ومتدرج .

ثالثا : أداء هيئات التفتيش والرقابة وإنفاذ القانون

اختارت منظمتنا تتبع أداء كل من المفتشية العامة للدولة وسلطة تنظيم الصفقات كونهما أهم هيئتين معنيتين بمجال التقرير.

1.     المفتشية العامة للدولة

في مؤتمره الصحفي المنعقد بالشهر الثامن من سنة 2022 أكد المفتش العام للدولة تركيز هيئته على الصفقات العمومية بوصفها وكرا للمخاطر وأنه وطواقمه تمكنوا من إجراء تسعة عشر تفتيشا ومن زيارة مائة وثمانين منشاة أو نشاطا .

وقال في الدقيقة العاشرة من مؤتمره الصحفي الموثق على شبكة الانترنت إن المفتشية اكتشفت تجاوزات وصلت إلى 13,8 مليار أوقية قديمة، قسمها لثلاث فئات تمت مواجهتها بثلاثة إجراءات:

الاجراء الاول: التسديد أو السجن :

حيث تم اتخاذ هذا الاجراء في فئة المبالغ التي تم اختلاسها بالفعل  والتي حددها ب 2 مليار وسبعمائة مليون و قال إنها واجبة التسديد أو تعرض مختلسيها  للسجن

الاجراء الثاني: الاحالة لمحكمة الحسابات

يتعلق بالمبالغ التي تم هدرها نتيجة لسوء التسيير الاداري

الاجراء الثالث: الغاء الفواتير

تم اتخاذه في فئة الديون الوهمية التي بلغت 8 مليار، وقال المفتش العام بشأنها إن المفتشية حققت في عينات عشوائية منها بلغت نصف المليار ووجدتها جميعا فواتير وهمية لا أساس لها، وقامت بإلغائها .

وإنها كلفت المفتشية المالية بمواصلة التحقيق وأن هذه الأخيرة وجدت بدورها أن ما مجموعه مليار وسبعمائة مليون أوقية فواتير لاغية، لعزوف أصحابها عن تقديم الوثائق، وأن المتبقي لا يزال تحت التحقيق.

أثار تسامح المفتشية في هذه التجاوزات المجرمة قانونا، وتسترها على أسماء الشركات والأشخاص الخاصة التي كانت ستستولي على المال العام دون وجه حق، اهتمام منظمتنا لتعارضه مع المادة 9 والمادة 21 من قانون محاربة الفساد رقم 014/2016، ما دفع بنا لإجراء تقص معمق حول الموضوع.

وعلى ذلك الأساس، وتجسيدا لدور المجتمع المدني وحق الشعب الموريتاني في النفاذ للمعلومات المتعلقة بالتحايل على موارده، فستنشر المنظمة يوم 21/12/2023 ملحقها الأول المخصص لهذه القضية مدعما الوثائق المفصلة، وستكشف من خلاله:

1.     أسماء الشركات والمتنفذين الذين شاركوا في عمليات الفساد

2.     الطرق التي تم بها التآمر على موارد الدولة ومصالحها

3.     تقاعس مفتشيه الدولة عن انفاذ القانون وتكريس الافلات من العقاب.

4.     المعايير المزدوجة التي تم اتباعها من قبل مفتشيه الدولة .

2.     سلطة تنظيم الصفقات  :

أنشئت سلطة تنظيم الصفقات العمومية بموجب المادة (12) من القانون رقم 024-2021، الصادر بتاريخ 29/12/2021، المتضمن لمدونة الصفقات العمومية، ومن ضمن اهم المهام الموكلة اليها :

1.     السهر على مطابقة طرق منح الصفقات للقانون

2.     نشر تفاصيل كل الصفقات وخاصة صفقات التراضي على البوابة الوطنية للصفقات العمومية.. وينص المرسوم 083 – 2022 بتاريخ 08/06/2022، في مادته (42، الفقرة 3) على أن السلطة ملزمة بنشر تفاصيل صفقات التراضي على البوابة الوطنية للصفقات العمومية .

3.     إعداد الاحصائيات المتعلقة بالصفقات ونشرها بغرض تكريس الشفافية على غرار مثيلاتها في الدول الأخرى .

وقد لاحظت منظمتنا:

•      أن هذه السلطة لم تحترم أيا من المهام الموكلة إليها، فعلى سبيل المثال: تم منح الكثير من صفقات التراضي التي لا تحمل صفة الاستعجال كما تنص عليه المواد (33، 34، 35 و36) من القانون رقم 024-2021، والمادتين 42-43 من المرسوم رقم 2022-083، الصادر بتاريخ 08/06/2022، المطبق لهذا القانون وهي المواد التي حددت شروط وطرق اللجوء إلى صيغة التراضي، كل ذلك دون أي تدخل من السلطة .

•      أن السلطة لم تنشر على الصفحة المذكورة في سنة 2022 أكثر من 20 صفقة في حين أن عدد صفقات التراضي لتلك السنة يفوق المائة .

•      أن سلطة تنظيم الصفقات تصدر تقارير مضللة – تحول منها نسخ لرئيس الجمهورية ورئيس البرلمان – لا تمت للشفافية بصلة، حيث ورد في تقريرها لسنة 2020 أن مجموع صفقات التراضي بلغت 20 مليارا في حين أنها زادت على 40 مليار (انظر الوثيقة 1 )، وأن مجموع صفقات التراضي لسنة 2021 كان 18 مليارا في حين أن صفقات التراضي في تلك السنة زادت على 100 مليارا (أنظر الوثيقة 2)  .

رابعا: التوصيات

في إطار المناخ العام توصي المنظمة بتسهيل نفاذ المجتمع المدني والاعلام الحر للمعلومات كشرط أساسي لنجاح الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ولإضفاء الجدية على الدعوات المتكررة للمسؤولين بضرورة مشاركة الكل في محاربة الفساد.

في إطار الصفقات والمشتريات، توصي المنظمة بالعدول عن قرارات رفع سقوف الصفقات الصغيرة، غير الخاضعة لرقابة اللجنة الوطنية لرقابة الصفقات وخفضها الى أدنى المستويات والحد من صفقات التراضي وإخضاعها للقانون.

في إطار هيئات الرقابة والتفتيش توصي المنظمة بإعادة النظر الشاملة في طرق عمل هذه الهيئات وأولها الصرامة في تنفيذ القانون والوقوف دون الإفلات من العقاب.

زر الذهاب إلى الأعلى