موسى ولد بهلي لموقع الفكر: المحيطون بالرئيس زينوا له عدم الالتقاء بالصحافة ولو مرة واحدة.. والصحافة تفقد قيمتها المعنوية في هذا النظام( مقابلة)

العميد موسى ولد بهلي، إعلامي مخضرم، أخذته الصحافة عنوة من الإدارة، فكان واحدا من رواد هذا الفن، مارس الصحافة عمليا وانخرط في هيئاتها وطنيا وإقليميا ودوليا، تدرَّج في مختلف مناصبها إلى أن أصبح رئيسا لرابطة الصحفيين الموريتانيين، ونائبا للأمين العام لاتحاد الصحفيين العرب.
التقيناه في موقع الفكر، فكان لنا معه حوار موسع وجريئ عن واقع الصحافة اليوم وجوانب من تاريخها، وعن قوانين وحوكمة الصحافة وغير ذلك مما ستجدونه مبثوثا في ثنايا هذا الحوار الشامل:

موقع الفكر: في البداية، نود منكم  تعريف القارئ بشخصكم الكريم من حيث الاسم وتاريخ ومحل الميلاد و الدراسة والشهادات التي حصلتم  عليها والوظائف التي تقلدتم؟

موسى ولد بهلي:  بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على نبيه الكريم.
اسمي موسى ولد بهلي، من مدينة لعيون، مولود سنة 1965، درست الابتدائية وبعضا من الإعدادية في مدينة لعيون، ثم تحولت إلى نواكشوط الذي أجريت فيه امتحان البكلوريا، وبعد ذلك توجهت إلى المغرب حيث درست و تخرجت فيه من المدرسة الإدارية، التي اعترضتني فيها لأسباب سياسية بعض المطبات وقد تجاوزتها بفضل الله، حيث تزامنت دراستي فيها مع الأحداث التي جرت بين موريتانيا والسنغال نهاية الثمانينات،  وفي أثناء ذلك زارتنا في المدرسة سيدة تسمى لا اكرو افى، وهي منظرة أو داعية، وقد ألقت أمامنا محاضرة اتهمت فيها الشعب الموريتاني بالعنصرية، وقد تصديت لها، وكان حاضرا معي يومها لهذا الحدث مجموعة من الطلبة الموريتانيين أصبح اليوم بعضهم وزراء وبعضهم مسؤولين سامين، مثل سيدي محمد ولد محم، وماحي ولد حامد، وغيرهم، وقد قلت لها إن المشكل الموريتاني السنغالي مختلق من طرف الغرب، وأن الشعبين الشقيقين ليست بينهما أية مشكلة، وأن الشعب الموريتاني ليس عنصريا، وبأنها تحاول استغلال الأحداث، وتأجيج الصراع حتى بين الطلاب، وقد وجهت لها الكثير من الاتهامات، حتى أنني قلت لها بأن المغرب ما كان  له أن يسمح لمثلها بتنظيم محاضرة يتهم فيها الشعب الموريتاني بالعنصرية، فقد نقبل اتهام الحكومة بذلك فالحكومات تتهم بذلك، لكن اتهام الشعب غير مقبول، وما بين الشعبين السنغالي والموريتاني من وشائج القربى كبير..
وقد تسبب هذا التصدي في طردي من المدرسة وأنا في السنة الثانية، وقد عدتُ بعد ذلك بسنوات فأكملت دراستي.
وعندما رجعت هنا خريج مدرسة إدارية، لم أجد العمل لشحه يومها؛ طرحت ملفا عند وزارة الداخلية وقد قوبل بالرفض، في ذلك الوقت لا يقبلون توظيف أحد، ثم وجدت مسابقة للعمل في التلفزيون فشاركت فيها صحبة أربعة زملاء. وتم اختيارنا، عملت معهم سنة 1992، وأصبحت رسميا معهم في السنة الموالية، ومن هنا بدأ مشواري مع الصحافة، وقد تناسيت خلفيتي الإدارية وانهمكت في الصحافة، حيث خضعت للعديد من التكوينات في الخارج: في الإمارات العربية المتحدة وفي فرنسا وفي بلجيكا وفي مصر وفي تونس وفي سوريا، مرات عن طريق التلفزيون ومرات عن طريق رابطة الصحفيين الموريتانيين،  التي انتسبت لها سنة 1994، كعضو، ثم تدرجت فيها إلى أن أصبحت أمينها العام في العام 2010، ورئيسها سنة 2018، كما انتميت لعدة تشكيلات صحفية دولية، وشغلت  المناصب في بعضها، مثل نائب الأمين العام لاتحاد الصحفيين العرب، وهو منصب ما زلت أشغله إلى الآن، بالإضافة إلى عضوية كل من اتحاد الصحفيين الإفريقيين والاتحاد الدولي  للصحفيين.

موقع الفكر: ليس لدينا مجلس أعلى للصحافة ولا وزارة للإعلام وحتى من يشرفون على الشأن الصحفي يتهمون بعدم التخصص، ما تقويمكم لقانون تمهين الصحافة ولجهات الإشراف على تتظيم مهنة الصحافة؟

موسى ولد بهلي: هذا سيعيدنا قليلا إلى الوراء، لأن نضالات الصحافة بدأت مع بداية حرية الصحافة التي أقرها دستور ال 20 يوليو 1991، فمع الصحافة الورقية التي كانت موجودة يومها انطلقت هذه النضالات.
لم تكن لدينا معاهد صحفية فكان العمود الفقري للصحافة عندنا أساتذة ومعلمون وكتاب موريتانيون، وهم من نهضوا بقطاع الإعلام الخاص، وظنت الدولة أنه لا يمكنهم الصمود بالطريقة التي صمدوا بها، وعندما بدأ تشكل نواة للصحافة المهنية داخل القطاع الخاص، تواجه النظام بحرفية وموضوعية، وظهرت أقلام قوية، أخذ النظام يراجع وضعه، فأغرق الساحة الصحفية بأدعياء المهنة، من خلال تسهيل الترخيص للجرائد، وأضاف لقانون الصحافة المادة 11 التي بموجبها تتم مصادرة الجرائد، وقيم بالكثير من الأمور التي ميَّعت الحقل الصحفي.
وجاءت بعد ذلك الصحافة الإلكترونية التي دخلت على الخط وأصبح من اللازم التعامل معها، وقد حدثت مراجعة للقانون في العام  2006، في الفترة الانتقالية الأولى، تم فيها إلغاء المادة 11، من قانون الصحافة، وأنجز قانون الصحافة، وقد مكن هذا القانون من تطوير الصحافة، ومع سنِّ قانون تحرير الفضاء السمعي البصري، في الخمسية الأولى من حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، حدث انفتاح كبير وظهرت قوانين لا بأس بها، وتواصل هذا الأمر إلى أن وصلنا إلى الأيام التشاورية التي مولتها الدولة، حيث قال يومها الرئيس محمد ولد عبد العزيز للأهرام المصرية إن مخرجات الأيام التشاورية  ستنفذ بشكل كامل، لكن هذه الأيام كانت فخا وضع للصحافة، فقد ظنت وزارة الداخلية والوزارة الأولى، أن الصحافة عندما تجتمع لإنجاز مخرجاتها ستشتبك وتتخاصم فيما بينها، ويكون ذلك عذرا لهم لتبقى الأمور على ما كانت عليه، ولكن ذلك لم يحدث، فقد اتفقت الصحافة وأنجزت وثائق جيدة وطرحت ما يمكن أن يكون مشاريع قوانين، وأعدَّت دراسة شاملة تشخص معاناة الصحافة، و وضعت كل ذلك في وثيقة من نسختين بالعربية والفرنسية، وقد استعجلت الوزيرة تانجا يومها، تلك الوثيقة بحجة أن الرئيس يريدها وسلمت لها على شكل مسودَّة، وبعد ذلك أنجزناها وجمعناها على شكل كتاب وقدمناه لها، وعندما أدركت الدولة أن الموضوع أصبح أمرا وقعا، تخلت أيضا عنه، وبدأت تتراجع عن تحرير الفضاء الإعلامي وبدأت المضايقات، وحين طالبنا بما نسميه بقانون المعلومات الذي هو جزء من قانون حرية الصحافة، وهو قانون معروف في الدول الأخرى يفرض على المسؤول إعطاء المعلومات للصحافة، وحين يحجبها يحاسب على ذلك قانونيا، تلكأ النظام وحاول ولد عبد العزيز، أن يأتي ببديل عنه عبارة عن مستشارين من الصحافة في كل وزارة وكل إدارة، وهو أمر تم الالتفاف عليه، بتعيين أناس لا علاقة لهم بالصحافة، وأصبح هذا النوع من الالتفاف هو السائد، وبدأنا منذ العام 2016، بتقويض ما بنينا، وللأسف الشديد.. بدأت المعاناة من ذلك الوقت.
جاء نظام محمد ولد الشيخ الغزواني، وحين جاء فتح لنا صدره وتلقانا بذراعيه، متعهدا بحل المشاكل التي تواجه القطاع، وفي سبيل ذلك عيَّنَ لجنة عليا لإعداد خارطة طريق لإصلاح و تمهين الصحافة،  وفعلا تشاور معنا كهيئات صحفية في بناء واختيار أعضاء اللجنة،  و من جانبنا باركناهم لأنهم صحافة و نحن ليست لدينا مواصفات محددة في عضوية اللجنة، و من جانبنا زودناها بمخرجات عملنا، وقد قامت اللجنة مشكورة بجهد كبير و أنجزت عملا، وحين تسلمنا تقريرها رغم أننا لم نكن راضين عنه بشكل تام، إلا أنه تضمن  نقاطا مهمة يمكن أن تخرجنا من عنق الزجاجة، وقد وقعه مشكورا رئيس الجمهورية وأحاله للجهات المختصة، وهو تصور يتضمن الصحفي المهني والبطاقة الصحفية وقوانين واضحة يمكن أن ترفعنا إلى مصاف الصحافة الحرة، وفعلا وصل  التقرير في دورته للوزارة الوصية التي تعاقب عليها ستة أو سبعة وزراء، بعضهم عاثوا فيه فسادا وحولوه عن هدفه وغيروه، فبدت مضامينه مشوهة بل أكثر من ذلك  مخالفة للدستور الموريتاني والقوانين الموريتانية، وسوف أذكر منها أمثلة:
الشعار الذي تم رفعه هو أن السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية، سيتم توسيعها وإشراك الصحافة في عضويتها، و تضمنت التوصيات إنشاء مجلس أعلى للصحافة، والعالم كله توجد فيه ثنائية السلطة العليا للصحافة و المجلس الأعلى للصحافة، وهما سلطتان متناقضتان وصلاحياتهما متناقضة متنافرة، ومع ذلك تم الجمع بينهما هنا وبين صلاحياتهما جمعا مناقضا ومنافيا للقانون، حتى إن هناك بعض المواد المناقضة للدستور، منها أن مصادر الصحفي يحميها القانون الموريتاني والدولي، وهذا أمر مفروغ منه، فلا يمكن أن نكون قد وصلنا إليه من زمان ثم نتراجع عنه في قانون جديد، من المفترض أنه يضيف حرية بدل الحد منها، وهذا هو قانون السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية، الذي يعتبر أن مصادر الصحفي غير محمية أمام هذه السلطة وهو ملزم بالتصريح بها عند الاقتضاء لها، وهو أمر مناقض للدستور، وأتعجب من تمرير هذا القانون، وكيف مرّ من عند الهيئة التشريعية و وقعه رئيس الجمهورية، وخرج من عند المجلس الدستوري، دون أن تنتطح في أمره شاتان، رغم مخالفة ذلك للقانون وللدستور الموريتاني وللمواثيق الدولية.

 ومن ناحية أخرى أرادوا التشاور معنا في تلك القوانين الأخرى، في فترة الوزير الذي ربما أفسد كل القوانين وفصلها على مقاس معين،  – أنا أقول كلامي هكذا فقد اعتدت على ذلك – لقد تم استدعاؤنا في الأكاديمية الدبلوماسية للتشاور فيما أسموه قانون الصحافة المهنية، ساعتها قلنا لهم إن الصحافة مهنة، وأن تسمية الصحفي بالمهني أمر غير صالح، وتعني أن هناك صحفيا غير مهني، وأن هذا فاسد قانونيا، وقلنا لهم بأن الصيغة التي أنجز بها القانون  إنشائية وأن المحتوى لا يحمل الجرأة الكافية التي ينبغي له أن يحملها، ولا يمكن أن يناقش.
وبينا لهم أن البحث في شأن الصحفي المهني نوع من وضع العربة أمام الحصان، فنحن لم نتحصل بعد على بطاقة صحفية، فمن هو الصحفي الذي سنجعله مهنيا؟!
ونحن لا نعرف الصحفي ولم نحدده بعد في القانون، فقدموا لنا أشياء غير واضحة وتعهدوا بتصحيح ذلك،  على أن يعيدوه لنا بعد تنقيحه في ضوء الملاحظات تلك، واجتمعوا بلجنة أخرى وكنت حينها في سفر خارجي، ولكنها تضم صحفيين مهنيين، منهم الشيخ بكاي، وجيكو سوداني، وجماعة أخرى، وقد بُحث أمر البطاقة المهنية، ولا شك أنهم أنجزوا عملهم بطريقة جيدة من خلال ملاحظتهم على قانون هذه البطاقة، وذهبوا أيضا بمشروع  القانون  لإدخال الملاحظات عليه وإعادته من جديد، لكنه لم يعد، وقد تفاجأنا قبل فترة بعرض الوزير الحالي لمشروع هذا القانون في الجمعية الوطنية.
وعلى كل حال فالوزير الحالي، يحسب له نفض الغبار عن هذا القانون وإخراجه من دهاليز الوزارة إلى النور، بعد أربع سنوات من حبسه  في ادراج الوزارة..
 ملاحظتنا أنه كان  ينبغي للوزير التشاور معنا كهيئات صحفية قبل عرض مشروع القانون على البرلمان،  فقط هذه ملاحظتنا.

فيما أكد الوزير من جانبه  أنه استشار شخصيات صحفية كبيرة، ولكن الذي ينبغي أن تناقش معه القضايا الصحفية الهيئات، فهي المسؤولة وصاحبة الاختصاص، وهي التي كان يناقش معها من أيام ولد عبد العزيز، وأيام اعلي ولد محمد فال..، لا أعرف ما الذي حدث! ولعل أهل الوزارة غالطوه أنهم ناقشوه معنا.
لقد طالعت الصيغة الجديدة للقانون وهي أحسن عندي مما رأيت قبل ذلك، ولقد حكمت عليه من قبل حكما غير صحيح، ففي الصيغة الجديدة تم الشطب على كثير من الأخطاء التي كانت موجودة في الإصدارات السابقة، وما ننتظره الآن هو أن لا يقع فتور في موضوع القانون، فنحن لا نهتم لأمر الصحفي المهني فهو غير موجود لأن الصحفي هو الذي يحدد مهنيته، وإنما نريد بطاقة صحفية فيها الاشتراطات الصحيحة التي ينص عليها القانون.
قانون البطاقة المهنية مثلا ينص على أن حاملها لا يمكن أن يكون له عقدا عمل، وهذا يضع صحفيين كبارا من الذين تأسست عليهم الصحافة الخاصة، أمام خيارين، إما أن يختاروا الصحافة أو الوظيفة، وإذا كانت الوظيفة (أستاذ أو معلم مثلا) تضمن بعض الحقوق، فإن الصحافة خاصة في القطاع الخاص، لا تضمن شيئا، لأنها غير قوية، وقد كان ينبغي أن تتم تقويتها، مثلا في المغرب يتقاضى الصحفي العادي في الموقع الإلكتروني الخاص خمسة وعشرين ألف درهم، وهو راتب لا أتقاضاه أنا المدير، فلو أننا في نفس الوضعية، وتم تخيير الصحفي المعلم مثلا بين الصحافة والتعليم، فسيختار الصحافة، وما دام هذا غير متوفر فإنه سيختار التعليم الذي يساعده على الأقل في تأمين قوت عياله، وستفقده الصحافة، لأنه لم يوفر له بديل.
صحيح أن البطاقة المهنية تضمن بعض الامتيازات المهمة، وإذا كانت ستضمنها بحق فهي مهمة جدا، وسيكون لها بالإضافة لجانبها المعنوي جانب مادي، فالنقل مثلا سواء كان جويا أو بريا أو بحريا، سيكون مخفضا عن حاملها، وكذلك الفنادق، وبعض المجالات الأخرى، مما سيساعد الصحفي في التخفيف من أعباء العيش، وهذا مهم.
نحن الآن في مرحلة المطالبة بإنجاز هذه البطاقة المهنية، فهي العمود الفقري للعملية برمتها،  فالمقاولة الصحفية في الاشتراطات المطروحة أصلا، يمكن إذا لم تكن صحفيا أن تكون مديرا ناشرا مستثمرا، ولكن يشترط عليك أن توظف ثلاثة محررين، فما الذي ستدفع منه رواتب محرريك الذين لا يمكنك أخذهم من الشارع؟!
لدينا تجربة المدارس الحرة، التي تفرض الدولة على أصحابها توظيف معلمين يحملون شهادات، ولكن بعض هذه المدارس وظفت بعض عمال المنازل الذين لديهم إلمام بسيط بالفرنسية، لانعدام الرقابة عليها، فإذا نقلنا هذه التجربة للصحافة سيكون ذلك تمييعا خطيرا جدا.
والمقاول أيضا، إذا لم يحصل على دعم من الدولة، فمالذي سيدفع منه رواتب عماله، مع العلم أن سوق الإشهار منعدمة، والهيئة المكلفة به والتي مضى عليها زمن طويل، وكان ينبغي لها أن تكون قد جمعت ستة عشر أو سبعة عشر مليارا، من عائدات الإشهار، لم تستفد منها الصحافة إلا ضريبة فرضتها عليها، فبدل أن تدفع لها أخذت منها!
فإلى أين ستهرب الصحافة أمام هذا الواقع؟!
 لقد كان من اللازم التفكير في واقع المقاولة الصحفية، قبل الذهاب إلى هذا القانون، خاصة أنه يلزمها بأشياء منها عدد ونوعية العمال ومنها المقر ومنها دفع الضريبة، فمن أين ستحصل على كل ذلك، وقد منعت عنها المداخيل التي كان من المفترض أن تحصل عليها من الإشهار مثلا.

 سبق أن خضنا معركة حول هيئة الإشهار في العام 2016، ولكننا فوجئنا بتعميم ظالم أصدرته الوزارة الأولى، يحذف  الاشتراكات الترويجية من مزانية الدولة.

موقع الفكر: برر الوزير  الأول حينها الأمر قبل أيام بأنه اطلع  على خلل كبير تمثل في أن  صحفيا يأخذ مائة مليون من مزانية الدولة، فهل سمعتم ذلك؟

موسى ولد بهلي: هذا لا معنى له، صحفي يأخذ مائة مليون!
أولا، هذه كذبة؛ فذلك ليس صحفيا، لقد سمعتها وسمعت أن هناك من قالها في محاكمة ولد عبد العزيز، هذا غير صحيح، هو ليس صحفيا، ونحن نعرفه، ولا علاقة له بالصحافة، لقد جعلوا منه صحفيا حتى يبيضوا من خلاله تلك الأموال.
 حين خرج التعميم الجائر قابلنا الوزير، وكنَّا قبل ذلك  أنجزنا دراسة توصلنا من خلالها إلى أن ميزانية الدولة تتضمن أربعة مليارات موجهة للصحافة بشكل سنوي، وأن الطريقة التي تصرف بها غير سليمة، وبدلا من ذلك تصرف بطرق ملتوية زبونية، وأغلبها يذهب لتراخيص لا وجود لها على أرض الواقع، وارتأينا أن تجمع هذه الأموال في صندوق يصرف منه على الصحافة الحقيقية الجادة، وهو ماسيجعل الصحافة في غنى عن كثير من الأمور، وعندما شرع في نقاش الموضوع في البرلمان سنة 2017، وكنت حاضرا له، تبين أن  المداخيل  التي ينبغي أن تدخل لهيئة الاشهار من  الشارع، تتراوح بين 600 مليون و 700 مليون أوقية، سنويا، و، وفي تلك الفترة  اعترضت أماتي بنت حمادي، رئيسة الهيئة الحضرية على الموضوع  بحجة أنه لا يمكنها الاستغناء عن تلك المداخيل فهي التي تدفع منها أجورورواتب عمالها.
وليست هذه هي المبالغ التي تدخل وحدها من الإشهار، فقد أوصلناها في بحثنا لأكثر من مليارين ونصف، ولك أن تجمع ذلك المبلغ من العام 2017، إلى الآن ، لتجد أنه مبلغ كبير جدا، فما الذي استفادت منه الصحافة؟!
الصحافة اليوم عندما تبرم عقدا مع  شكة ما، تطالبها لجنة الإشهار بدفع 2.5 % من حصيلة ذلك العقد، و لحدِّ الساعة لم تدفع سلطةالإشهار للصحافة شيئا، رغم أنها تمنيهم بذلك منذ زمن طويل، و معنى ذلك  أن أموال الصحافة أخذتها جهات أخرى تعمل بها.
لقد طلبنا منذ زمن طويل ما يسمى بالرقابة الذاتية، ومعناه إنشاء مجلس أعلى للصحافة، وهو أمر متبع في  كثير من دول العالم كالمغرب والسنغال، تتنازل له الوزارة عن صلاحياتها كاملة، بما فيها منح وسحب البطاقة  وكل ما تسير به الصحافة وصندوف الإشهار وكل تلك الأمور، فيكون كل ذلك تابعا للمجلس الأعلى للصحافة، وعندها ستكون الدولة في وضع مريح ولا شأن لها بالصحافة، وإذا عاقب المجلس صحفيا مثلا، فالدولة لا تتحمل المسؤولية عن ذلك، فالأمر شأن صحفي جرى بين الصحافة، وهذا سيرفع الحرج عن السلطة تماما، فالمجلس هو الذي ينجز كل شيء طبقا للقوانين، وإذا لم يكن هذا ممكنا، فينبغي أن تستحدث لنا وزارة للاتصال، ونكون تابعين لها بشكل صريح و واضح، ونعاد للوصاية المباشرة الصريحة، ويكون المبرر حينها أننا لم نصل مرحلة النضج بعد.
عندما تذهب اليوم إلى أي مكان في العالم، تجد أن كل موقع إلكتروني له مقر فخم والكثير من العمال وإدارة كبيرة، لأن المجلس الأعلى للصحافة يدبر شأن الصحافة، فما هي تشكلية المجلس الأعلى للصحافة، لنأخذ مثلا التجربة المغربية، نجد تشكلته كالآتي:  سبعة أعضاء يمثلون الهيئات الصحفية، وسبعة أعضاء يمثلون المقاولات الصحفية، وسبعة يمثلون المجتمع المدني والحقوقيين والقضاة، ودورهم  استشاري، بينما يمارس الممثلون عن الهيئات والمقاولات الصحفية الدور القيادي في المجلس، و يتناوبون على رئاسته، وقد أعفيت الدولة من حرج إدارة الصحافة، فما الذي نخاف منه؟ وهذا العرف  هو السائد في العالم اليوم، فإلى متى سنظل نعتبر صحافتنا صحافة قاصرة، لا تستطيع تسلم مسؤولياتها؟!
لقد سلمنا للبلديات قبل فترة صلاحياتها في الشرطة البلدية، فما الذي ينقص الصحافة عندنا؟.
منذ أن جاء هذا النظام ورئيس الجمهورية، يمتنع عن لقاء الصحافة، لقد كان ولد عبد العزيز، قبله يلتقي بهم  بمعدل ثلاث أو أربع مرات في  السنة، ولكن المحيطين بالرئيس الحالي زينوا له عدم اللقاء بالصحافة ولو لمرة واحدة.

موقع الفكر: ألم يجرمعهم مقابلة قبل فترة قصيرة؟

موسى ولد بهلي: تلك ليست مقابلة؛ هي مجموعة أجلست في الرئاسة وأُخذت لهم صور، وأعطيت لهم مادة جاهزة لينشروها.

موقع الفكر: من الذي يتحكم في تنظيم مقابلات وأسفار الرئيس؟

موسى ولد بهلي: ذلك أمر تم إقراره  وترتيبه في فترة الوزير المختار ولد داهي، فقد شكل هيئة خاصة، واحتكر لأهلها ميزة مرافقة الرئيس في أسفاره..

موقع الفكر: للتذكير، كنا توجهنا لمدير المكتب الإعلامي في الرئاسة، قبل المقابلة،  بهذا السؤال: سمعنا أنكم بصدد تنظيم لقاء لرئيس الجمهورية مع مجموعة من المواقع.
نتمنى أن يكون اختيار المواقع تم بطريقة شفافة، وقد رد مدير المكتب الإعلامي بالرئاسة: الذي أعلمه هو  أن تجمعا يضم عددا من الصحف والمواقع قد تقدم بطلب لإجراء لقاء صحفي مع فخامة رئيس الجمهورية..

موسى ولد بهلي:  لم تطلب أي هيئة مقابلة الرئيس، وهذا يوضح أن هناك أمورا غير واضحة، فالهيئات الناشرة لا تطلب المقابلة، وإنما تطلبها النقابات، فالدولة لا ينبغي لها أن تتعامل مع مؤسسات تجارية، وما يحدث هو أن النقابات المرخصة من الدولة هي المسؤولة عن ذلك، وهي التي يتبع لها الناشرون، وهي من تسأل عن القضية، ولم يحدث ذلك، والإشكال هو أن من يذهبون مع الرئيس اليوم، تحظر عليهم تغطية زيارته، فما الذي جعلهم يذهبون؟!

موقع الفكر: هل تتوقعون إصدارالمراسيم التطبيقية لهذه القوانين المتعلقة بالصحافة وحريتها قريبا؟

موسى ولد بهلي:  التقيت بالوزير، وبحثت معه الموضوع، وهو مستعجل في إصدار تلك المراسيم التطبيقية. 

موقع الفكر: هناك بعض القوانين التي مضى على سنها أكثر من ست سنوات، ومع ذلك لم تصدر مراسيمها التطبيقية، فهل هناك نافذون في الإعلام يضغضون للتعحيل بإصدارالمراسيم الخاصة بقانون الصحفي المهني؟

موسى ولد بهلي: أعتقد أن الأمور عندما تتم إجازتها من الجمعية الوطنية، وتحال إلى حيز التنفيذ وتكون الناس سائرة في تنفيذها، لا يبقى أمامها إلا المراسيم التطبيقيه فقط، وتنجز وتصبح سارية المفعول، وهذه المراسيم يتم العمل عليها الآن، وفائدتها إغلاق الفوضى؛ مثلا من يفتح موقع اليوم، يحق له أن يجعل من العمال اليدويين معه صحافة ويخرج لهم بطاقات،  وهذا لن يكون متاحا  بعد تطبيق هذه القوانين وإصدار البطاقة المهنية الموقعة من طرف الوزير، وأي شخص غير صحفي عندما يشتغل في الصحافة سيصبح منتحل صفة وهو أمر يعاقب عليه القانون، بعقوبات قد يكون من بينها السجن، وهذا مهم.
أمامنا الكثير من التحديات في هذا المجال، ومن الأحسن مواجهتها مرة واحدة حتى نتمكن من إصلاح بعض ما فسد.
أما إشكالية أن القانون يطبق أو لا يطبق فتلك مسألة أخرى، و في الندوة التي نظمها حزب الإنصاف قبل أيام، استغربت  من حديث مستشار للرئيس ومحافظ سابق للبنك المركزي،  أن القانون الموريتاني – وذكرا المواد – يُحرم على ملاك البنوك، ممارسة أي تجارة أخرى، ونحن لا أحد منا اليوم لديه بنك إلا ويمارس مختلف أنواع التجارة الأخرى.

فأنت كتاجر يحق لك امتلاك بنك ولكن لا يحق لك ممارسة التجارة الأخرى..
هذا الذي ذكرتُ لكم هو وضع الصحافة اليوم، وهي تفقد للأسف قيمتها المعنوية في ظل هذا النظام الحالي، ولا تعمل وفق الترتيبات والضوابط الواضحة التي ينبغي أن تعمل بها، ومن رغب في أن يكون صحفيا كان صحفيا، وحتى إذا كنت صحفيا مهنيا تحاول الدفاع عن الصحافة، سيرسلون عليك واحدا من أدعياء المهنة للهجوم عليك، فتصبح عاجزا عن الحديث، ويتم التشهير بك  والافتراء عليك والتقول عليك بما لم تقل، وليس باستطاعتك اليوم أن تجري أي تحقيق في مجال تريده،  دون أن يتم الهجوم عليك من “المُتَصَيْحِفِين”  الذين هم عبارة عن ذباب يرسله الآخرون، والحقيقة أن هذا واقع مزر، ونرجو أن يتغير، رغم أن شيئا لم يتغير  فيه وأن بوادر تغييره لا تلوح في الأفق.

موقع الفكر: هل أثر تحكم اللوبيات داخل مرافق الدولة سلبا على حسن تدبير الدعم الموجه للصحافة؟

موسى ولد بهلي: هذه حقيقة واضحة، اليوم أنت كوزير أو مدير  أو رجل أعمال، لا تتعامل إلا مع أناس تعتبرهم جنودا لك، وينجزون لك عملك الخاص، وكل مخصصات الصحافة تذهب إليهم لأنهم سيدافعون عنك بالباطل وستستقوي بهم على زملائهم، ومعنى هذا أن مخصصات الصحافة تذهب لجماعة محددة.
والأدهى من ذلك أن الدولة ترى المستشارين الإعلاميين في الوزارات الذين تم أخذ معظمهم من المدوونين الذين يكتبون ورقة أو ورقتين على النت، ومع ذلك هم مستشارون إعلاميون للوزراء، وهذه وظيفة كبيرة لا ينبغي أن يأخذها القادمون من الشارع، ورغم ذلك فإن الأمر أصبح سائدا ومعمولا به.

موقع الفكر: في موضوع  الوزارة الوصية.. شكاوي متعددة من تلاعب الوزارة في صرف مخصصات الصحافة خاصة تلك المتعلفة بالمهرجانات؟ 

موسى ولد بهلي: المهزلة الكبرى التي نعاني منها أننا بلا وزارة، والأطر الذين يوجدون في الوزارة أطر لا علاقة لهم بالصحافة ولا يعرفونها، ويغطون ضعفهم وعجزهم وجهلهم بمحاولة الالتفاف على الصحافة وقضاياها.
إن هذه المهرجانات أصبح يمارس فيها شيء غريب، حيث ترصد لها مزانيات، ثم تعد لائحة، فيها من يبقى هنا وهو الأكبر استفادة، وفيها من يذهب إلى تلك المدن النائية دون أن يستفيد، أو يستفيد شيئا هزيلا، لأنهم لا ينظرون إلى التغطية  فهي غير مهمة، المهم أن اسمك في اللائحة وسنعطيك شيئا.. المهم أن تتخلى لنا عن نصف مستحقاتك.. المهم أن لا تشهر بنا وأن تساعدنا في لجم من يحاولون ذلك مقابل شيء معلوم.
لقد أصبحت هذه الممارسات الزبونية سائدة، وقد حدثت في كل المهرجانات.

موقع الفكر: كيف تتوقعون إصلاحا أو تؤملونه من وزير هذه بطانته وحاشيته؟

موسى ولد بهلي: إذا أطلقت يدُ الوزير كما كان يحدث مع الوزراء.. الوزير لا يمكنه أن يعمل بدون طاقم، وهو يأتي ويجد أمامه طاقما لا يمكنه التصرف فيه ولا يملك صلاحيات إقالته، ولذلك فإن كل وزير حين يأتي يتخير واحدا لديه علاقة اجتماعية به أو يعرفه أو يعرف من يعرفه، لإنجاز عمله أو الاستعانة به، فيسهل له الأمور، فهو يدرك أنه لن يعمَّر في الوزارة طويلا، وهناك من يوهم الوزير بأنه هو الدولة وهو المخابرات وهو كذا وهو كذا، وهذا للأسف هو واقعنا المزري.

موقع الفكر: ما سبب ضعف أداء وسائل الإعلام العمومية؟

موسى ولد بهلي: إن مؤسسات الإعلام العمومي، يعتبر جزء كبير منها ذا طابع خيري، وهي مؤسسات لم تعد قادرة على تأدية أي دور فقد أُغرقت بمن لا علاقة لهم بالمهنة فكل مدير جاء يوظف من يشاء أو يتعاقد مع من يشاء، أنا أتذكر مديرا للتلفزة أمضى معنا عاما يزيد قليلا، وقد جاء ب 276، شخصا، من الشارع بدون إعلان ودون تكوين أو تدريب أو أي شيء، فقط جاء بهم وأصبحوا يتقاضون رواتبا.
لك أن تتصور من سيأتي بعده والحرج الذي سيقع فيه، وسيخلص في النهاية إلى أنه لايستطيع طردهم، لأنهم سيذهبون للشارع ويشكلون مشكلة للدولة، وبالتالي سيبقي عليهم رغم إضرارهم بالمؤسسة، وسيسلك أيضا نفس النهج ويأتي بمثلهم من أهله وأقاربه، وهكذا وصلت هذه المؤسسات إلى أن كل واحدة منها توجد فيها أعداد كبيرة (900 أو 1000) من الذين لا يقدمون شيئا، في حين أن بإمكان 70 شخصا، أن تسير هذه المؤسسة أو تلك، فأصبحت هذه الأعداد الكبيرة أمرا واقعا، والغريب أن آحادا من هذه الأعداد الكبيرة، يتقاضون مبالغ زهيدة، ورغم ذلك  يعتبرون أقوى من مدير المؤسسة وحين يهم مديرما بتعليق ذلك المبلغ الزهيد، يحركون له الدولة برمتها، والدولة ترى هذا ولم تقدم له حلا فكيف لمدير أن يحله!
ولكن حين تُطلق يد المدير ويكلف بإعداد إعلام صالح سوف يكوِّن من يمكن تكوينهم ويوجه المبالغ التي تصرف على من لا فائدة فيهم إلى تكوين وتأهيل وإعداد وزيادة رواتب من ترجى منهم فائدة.
أما حين تذهب معظم المزانيات في رواتب من لا يقدمون شيئا وليس بمقدورهم تقديمه فإن ذلك يعتبر خطرا على المؤسسة.
إن مؤسسات الإعلام العمومي لا يحكمها قانون، فالمتعامل به أنها مؤسسات  ذات رأس مال مختلط، ولكن في الواقع تحكمها قوانين الاتفاقية الجماعية وبعض هذه المؤسسات  يفتقر لوثائق مهمة كالنظامين الأساسي والداخلي، ومعنى هذا أنه لا يحكمها قانون واحد وإنما مجموعة قوانين متنافرة، وهذا ما يجعل من يتولون أمورها يمارسون الترخُّص في القوانين، فحين يريدون منع الحقوق عن أصحابها يذهبون إلى الاتفاقية الجماعية، وحين يريدون  شيئا آخر يفعلوا قانون المؤسسة ذات رأس المال المختلط، وهكذا.. فكل مدير جديد يجد أمامه خمس أو ست خطط عمل والأدهى من ذلك تعيين من لا يرتبطون بأي عقد مع المؤسسة مستشارين فيها ومكلفين بمهام ومديرين، يسيرونها وهم غير مخاطبين بنظام المؤسسة ولا يمكن عقابهم ولا استفسارهم حتى، فلا تمتلك إلا أن تطلب من حارس البناية أن لا يتركهم يدخلون للمؤسسة.. أمور لا يمكن أن تحدث إلا في موريتانيا.

موقع الفكر: منذ 2005 لم يحدث اكتتاب في التلفزة الموريتانية.. يطرح هنا سؤال، هل هناك حاجة فعلية  لهذه المؤسسات؟ 

موسى ولد بهلي: منذ العام 2007، لم يحدث اكتتاب، وفيها الآن عمالة مكونة من 184 موظفا رسميا، وأكثر من 700 متعاون، ومعظم العمالة الرسمية  على وشك التقاعد، فقلة منهم سيبقون في التلفزة بعد العام 2027.
الإعلام العمومي مهم جدا، فحين يقال لك إن التلفزة مثلا قالت كذا، ستدرك أن ذلك حقيقة لأن التلفزة لا يمكنها أن تقول شيئا لم تكلفها الدولة بقوله، وحين تجد خبرا في النت أو في وسائل التواصل الاجتماعي سترتاب فيه وقد لا تصدقه، لكن حين تراه في التلفزة الرسمية أو الإذاعة أو الوكالة ستدرك أنه صحيح لأن الدولة تقف خلفه، فهذه وسائل إعلامها التي تمرر من خلالها أخبارها، ولكن النظام الجديد الذي أصبحت عليه المؤسسة هو أنها أصبحت ذات خدمة عمومية، والمؤسسات ذات الخدمة العمومية كالتلفزة والإذاعة يعانون من مشكلة، فقد كان من المفترض أن يوقعو اتفاقية مع الدولة بأن تتحول المنحة المالية التي  تُقدم لهم الدولة، إلى تعويض عن التغطية التي تقوم بها هذه المؤسسات لأنشطة الدولة الرسمية بمختلف أذرعها وأجهزتها، وبقية المساحة في هذه المؤسسات يمكنها أن تتصرف فيها كما تريد، بمعنى أن الدولة تشتري من خلال عقدها مع المؤسسات مساحة تنشر من خلالها أخبارها، غير أن هذا العقد لم يوقع بعد مع الدولة، ولم ير النور، لأن ولد عبد العزيز، عندما أعده، وتبين له أن الأمر قد يكون فيه شيء ما، عدل عنه.
لقد كان من المفترض أن ينفتح رأس المال في هذه المؤسسات على رأس المال الخاص، ولكنه لم ينفتح إلا على رأس المال العمومي، وهكذا  قجم كل من  ميناء نواكشوط وميناء نواذيبو وصندوق التأمين الصحي، مساهمة مقطوعة قدرها  300 مليون، مناصفة بينهم، و واصلت الدولة تقديم المزانية، ولو أن الدولة وقعت مع هذه المؤسسات الاتفاقية المذكورة، لما كان من حق مفتشية الدولة تفتيش هذه المؤسسات، لأن حصة الدولة فيها ستكون في حدود 3%، وبالتالي فإن تفتيشها سيكون من اختصاص جهات تفتيشية ورقابية أخرى، 

موقع الفكر: ما هو الحل عندكم بخصوص تطبيق قانون الصحافة، في ظل تخوف البعض من إجحافه واشتراطاته،  و ربما تكررت تجربة التعليم التي ذكرتم قبل قليل؟

موسى ولد بهلي: هناك تحديات ينبغي أن يتم الانتباه لها، فمثلا أنت كمعلم تمارس الصحافة، مخير بين أمرين، إذ لم يعد بإمكانك أن تجمع بين عقدين، فإما أن تختار أن تكون صحفيا أو تكون معلما، ولا تستطيع الجمع بينهما، والكثير من المعلمين ينشطون في الصحافة الخاصة، لكنهم في التعليم لديهم ضمانات كثيرة ولديهم  حقوق في التقاعد، وهي مزايا لا يمكن لموقع إلكتروني أن يوفرها لهم، وفي هذه الحالة يمكن للمعلم أن يكون مالكا ولكنه لن يكون صحفيا ولن يحصل على بطاقة الصحفي المهني، وهناك الكثير من التحديات التي تحتاج الوزارة في المراسيم التطبيقية أن تتشاور مع المعنيين حولها، للوصول إلى مخارج معقولة، فالملف ثقيل ويحتاج الكثير من النظر والتفطن.

موقع الفكر: ما ملاحظتكم ومآخذكم على تسيير صندوق الصحافة؟

موسى ولد بهلي: إلى الآن سُجِّل على الصحافة أنها أخذت مليارين ونصف، من الدولة، منذ إنشاء الصندوق في العام 2012، وبنظرة بسيطة نجد أن هذا المبلغ لم يترك أثرا، فلم يوفر دارا للصحافة ولا حتى مكانا يستريح فيه الصحفيون، ولم نجد موقعا جعله هذا الدعم يتقدم ويصبح مهما وكبيرا، فقد كان الأمر أشبه ب “حلب الناقة في الأضاة” كما يقول المثل، فهذا الدعم لا يُعرف فيما ذهب وإلى أين ذهب، ورجاؤنا بعد عودة الصندوق للوزارة أن يكون هناك تفكير سليم في أن الصحافة إذا كانت ستنظم، فإن مبلغ أربع مائة مليون، كمنحة سنوية، لا يعتبر شيئا مذكورا في دعم الصحافة، فيجب رفعه إلى مليارين أو مليارين ونصف، ويتم منها صناعة مؤسسات حقيقية، وننتهج طريقة دعم مجموعة مؤسسات صحفية سنة، وفي السنة الأخرى ندعم مجموعة أخرى، وهكذا.. وبعد فترة ننظر ماذا قدم هذا الدعم للصحافة، أما أن تقدم لمدير ناشر أمضى سنة ينتظر، وليس لديه أوقية، مبلغ 800ألف أوقية قديمة، سيقضي بها ديونه ويبقى جالسا، لأنها ببساطة لا تكفي حتى لدفع أجرة المقر.

موقع الفكر: هل أنت مع عودة صندوق دعم الصحافة للوزارة؟

موسى ولد بهلي: مرتاح لعودة الصندوق للوزارة.

موقع الفكر: قلتم إن الوزارة لم تستطع تسيير المهرجانات، فكيف تستطيع تسيير هذا الصندوق؟

موسى ولد بهلي: صندوق الصحافة تحكمه مساطر مختلفة عن تلك التي تحكم المهرجانات، فالمهرجانات تسيرها الوزارة وحدها، أما صندوق دعم الصحافة فلا بد أن يكون فيه أعضاء من الصحافة حاضرين له، كحضور الأحزاب السياسية في وزارة الداخلية، التي تقدم دعما لهذه الأحزاب، ولم يسبق أن أثير لغط أو خصومة حوله، فلماذا الصحافة وحدها هي التي تختصم وتثير اللغط؟!
علينا احترام المحددات التي وضعها المرسوم، وعلينا أن لا نَرهب أو نخاف من يتحدثون بصوت عال للحصول على ما ليس لهم، وأن لا نحرم من لا يصرخون.
ولو أننا فكرنا تفكيرا جيدا لزادت هذه المداخيل كثيرا، فأنا أتذكر أنه منذ العام 2017، كان الدعم مائتين وخمسين مليونا، والاتحاد الأوروبي، وعدحينها أنه عندما يأتيه خطاب عن طريق الوزير، أو رئيس الصندوق فإنه مستعد لتقديم الثلثين أي خمسمائة مليون، وما وجدوا من يبعث لهم هذه الرسالة، ولقد ذكرنا الأمر للوزير من قبل ووعد حبنها أنه  سيبعث لهم تلك الرسالة ولكن ذلك الوزير، ذهب..

موقع الفكر: إذا، أنت تعتقد أن قضية الصندوق محلولة؟

موسى ولد بهلي: سنرى.. نحن الآن نريد أن يتغير نظامه ويسير في طريق التمهين، لا أن يفسد الصحافة بدل إصلاحها، ونتمنى أن تدبره الوزارة  بطريقة صالحة، ونعتقد أنه من الأحسن أن يذهب للوزارة بدل الإبقاء عليه عند السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية.

موقع الفكر: هل مايتم صرفه من الصندوق على التكوين قانونيا بالنسبة لكم؟

موسى ولد بهلي: لا يعتبر قونونيا، و ينبغي أن يوجه للهيئات الصحفية وذلك بإشراف  السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية، من خلال شراء تكوينات من معاهد متخصصة لصالح الهيئات الصحفية.

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟

موسى ولد بهلي: أرجو أن يتغير  الوضع المزري الذي تعيشه الصحافة، وأوجه نداء للصحافة بأن تكون حاضرة في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فهناك احتياج لها، و السبات الذي تَغطُّ فيه ليس أمرا صائبا، فالصحافة هي الهيئة الرقابية الوحيدة، التي بمقدورها مراقبة الانتخابات والاقتصاد وكل شيء..، صحيح أنها لم تتح لها الفرصة للأسف الشديد، ولكن ذلك لا يمنعها من أن تقتحم المجال وتحاول أن تدخل بقوة وتظهر نفسها، ونستطيع أن نساعدها بالمؤازرة الدولية، حتى تنال حقوقها، ونحن من جهتنا نؤازها كهيئات صحفية، ولكن عليها أن تنجز عملها، وإذا لم تقم به فستكون متمالئة مع الفساد المنتهج حاليا.

زر الذهاب إلى الأعلى