التوحيد والعمل الصالح / المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي

التوحيد والعمل الصالح، وتعني الجملتان التوحيد بالله لا إله إلا هو، والعمل الصالح الذي ينفع الناس ويمنع عنهم الضرر بكل أشكاله، واحترام حق الإنسان في الحياة والحرية وحق الاختيار للعقيدة التي تناسبه دون إكراه، وممارسة الرحمة، والحكم بالعدل بين الناس، وتحريم الظلم، وتحقيق التكافل بين أفراد المجتمع حتى لا يبقى فقير يسأل ولا جائع ولا مريض يبحث عن الدواء، ولا لاجىء ليس له مأوى، ولا مظلوم يطالب بحقه.

كل إنسان يرفق بأخيه الإنسان ويحسن إليه ويتقرب كل الناس لبعضهم بالاحترام والمودة والسلام في مجتمع يعيش فيه كل الناس في أمن وتعاون على البر والتقوى تحت مظلة الرحمن.

كرَّم الله الإنسان على الدواب بالعقل

تلك هي بعض عناصر رسالة الله للناس موجها آياته لهم، العقل الذي كرّم الله به الإنسان خلقه عن الدواب والحيوان وهو يخاطب الناس سبحانه في أكثر من آية دعوتهم للتفكر والتدبر؛ ليتبين لهم حقيقة آياته ومقاصدها لمنفعة الإنسان وما يعود عليه من خير وصلاح تحقق له حياة كريمة.

ثم بعد وفاة الرسول عليه السلام – الإمام الأوحد والمعلم للإنسانية رسول الله للناس – يدعوهم لتوظيف عقولهم لفهم دينهم فهمًا صحيحًا وصادقًا موقينين بوحدانية الله وعظمته ومصدقين بيوم القيامة الذي فيه يبعثون مما يحمي الإنسان من الضلال في طريق الشيطان.

الخطاب الإلهي يحذر من اتباع الشيطان

وقد حذر الله سبحانه الناس رحمة لهم بقوله: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 268).

ذلك ما يدعو إليه الخطاب الإلهي وآياته للناس من مغفرة وفضل، ويحذرهم من مغبة اتباع الشيطان لتدرك عقول الناس ما يحقق مصلحتهم، فماذا كانت دعوة شيوخ الدين وأصحاب الروايات وناشري الإسرائيليات؟

دعوتهم تتناقض مع ما أمر الله سبحانه به الناس في الآية السابقة وقد ألَّفوا آلاف الكتب المزورة على الرسول من روايات وأحاديث كاذبة تدعو الناس لطريق الشيطان تشوه قيم القرآن وتسيء لرسالة الإسلام وتشجع على الفحشاء والمنكر وتنشر خطاب الكراهية بين الناس، وتخدع المسلمين بقتلهم إخوانهم في الإسلام وتفجير إخوانهم من خلق الله في المجتمع دون ذنب.

يكفرون الناس فيستميلون النفوس المريضة والشريرة ليسعوا فى الأرض قتلًا وفسادًا دعواهم تعكس قلوبًا لا تعرف الرحمة وضمائر ماتت وعقولًا استحوذ عليها الشيطان فانساهم ذكر الله وتسلطوا على خلقه ظلمًا وعدوانًا.

الخلاصة

يحاور الله سبحانه عباده بالعقل والحجة المنطقية، يمنحهم الحرية وحق الاختيار، بينما أهل الروايات وشيوخ الدين والمفسرون والواعظون والدعاة يخاطبون النفس الأمارة بالسوء واستعدادها العاطفي باتباع طريق الشيطان الذي ينتهى بهم إلى الخسران فى الدنيا والآخرة.

وشتان بين ما يدعو إليه الله سبحانه في كتابه الحكيم من رحمة وعدل وحرية وإحسان وسلام وتحريم القتل والظلم والعدوان، وبين ما يدعو إليه شيوخ الدين من الروايات المنسوبة للرسول ظلمًا وبهتانًا من تشجيع على طريقة الشر وإقناع الناس بالظلم ونشر الفتن وجعلهم يعيشون حياة البؤس والضنك والدم.

كيف تستقيم المعادلتان؟

فكيف تستقيم المعادلتان؟! إحداهما من خالق السماوات والأرض والثانية من عباده الذين ضلوا طريق الحق والصواب.

فأيهما نتبع؛ قول الله وآياته التي بلغها الرسول عليه السلام للناس بعد تكليف الله له في قوله سبحانه: (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الأعراف: 2)؟ أم قول أصحاب الروايات المنسوبة زورًا لرسول الله؟

فقد حذر سبحانه وتعالى الناس من اتباع كتب غير ما ينطق بها رسول الله من آيات الذكر الحكيم مخاطبا للناس: (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) (الأعراف: 3).

فهل نتبع قول الله وأمره؟ أم نتبع أقوال البشر من خلقه الذين اتبعوا الشيطان في سعيه لتنفيذ وعده أمام ربه عند خلق الإنسان في قوله: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (ص: 82)؟

وتحذير الله للناس من الشيطان يقول سبحانه: (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) (النساء: 120).

كما قال سبحانه: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 43).

الروايات والإسرائيليات

ونسبت الروايات والإسرائيليات بالكم الهائل من الكتب والمجلدات التي أطلق عليها الأحاديث منسوبة للرسول ظلمًا وبهتانًا في طغيان الروايات والأحاديث المزعومة على الروايات، ولذلك يخاطب الله ورسوله بصيغة استنكارية ليبين للناس بطلان الأحاديث المنسوبة بالروايات للرسول في قوله تعالى: (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) (الجاثية: 6).

فالله سبحانه يسأل رسوله عليه السلام في هذه الآية كيف يتبع المسلمين أحاديث مكذوبة على الرسول ويتركون آيات القرآن المبين الذي يدعوهم للرحمة والعدل والسلام والإحسان، وتحريم قتل النفس وعدم الاعتداء على الناس والتعاون مع الجميع بالبر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان؟

فيجيب الرسول مخاطبًا وشاكيًا إلى الله أن السبب في ذلك هو قول الله سبحانه: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (الفرقان: 30).

طغيان الروايات على الآيات

استطاعت الروايات بكل القدرات والإمكانات المتاحة لأعداء الإسلام أن يجعلوها تطغى على الآيات التي جعلتهم ينصرفون عن القرآن ويهجروه؛ حينما استحكمت في العقول وتم خداع المسلمين بتقديسها لما نسبت للرسول فاستحوذت على أفكارهم وساقتهم إلى التنازع بينهم.

وذلك ما نعيشه اليوم؛ فقد انصرف الناس عما بلّغه لهم رسول الله من القرآن، واتبعوا ما ألَّفه العلماء وشيوخ الدين من روايات الشيطان، ويقضى الله بحكمه على الناس؛ إما بجنة ونعيم، وإما بنار وجحيم، وحين يصل الإنسان بقناعاته إلى تلك الحقائق، ستختفي إلى الأبد وتزول أوهام الشيطان ورواياته تلك التي شوهت رسالة الإسلام وغاياته، وحينئذ ستعلو كلمات الله شامخة خفَّاقة على كل الروايات والإسرائيليات كما وعد الله سبحانه في القران الكريم بقوله: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (التوبة: 32).

ستظل آيات الله وكلماته مشرقة في كونه حتى قيام الساعه، تضيء للإنسان عقله وتتنزل السكينة على قلبه. فتلك الآيات القرآنية هي التي تهديه إلى طريق الحق، وهي التي تكسبه رضا الله ليغفر له ذنبه ويبارك له سعيه؛ فتتنزل عليه رحمته وبركاته، ويجزيه الله جنة النعيم في آخرته.

زر الذهاب إلى الأعلى