سفينة أبحاث ألمانية تجرى دراسة في المياه الموريتانية العميقة
أنهت سفينة أبحاث المحيطات الألمانية Maria S. Merian، حملة علمية استمرت أكثر من شهر لدراسة التلال المرجانية في المياه الموريتانية العميقة، وقد شارك في هذه الحملة المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد. وكان هدف الحملة العلمية هو استكشاف الرّواسب البحرية وما تحتضن من كائنات حيّة احفورية عن الماضي السّحيق للتلال المرجانية؛ عن عمرها؟ كيف تكونت على مدى آلاف السنين؟ ما العوامل المحيطية (درجة الحرارة والملوحة، والأكسجين المذاب، المغذيات، والتيارات البحرية…) التي أدّت إلى ازدهارها في غابر الأزمان؟
وحسب الخبير حمود الفاضل، المشارك في الدراسة، فقد تم أخذ عينات من المياه العميقة والرواسب البحرية وهياكل الشعاب المرجانية وكائنات بحرية أخرى حية وميتة، وذلك باستخدام أجهزة متنوعة منها آلة حفر متطورة (MeBo 70) تعمل من خلال الروبوتات ويمكن أن تحمل معها عينات من الرّواسب بعمق 70 مترا، وهو عمق هائل في هذا المجال؛ ذلك باعتبار أنّ كل بضعة سنتيمرات من هذه العينات يمكن أن تكشف عن ماضي آلاف السنين من الحياة البحرية الغابرة!
وأشار ولد الفاضل إلى أن أول مرة ذكر فيها وجود سلسلة التلال المرجانية في المياه الباردة العميقة في موريتانيا كان في مقال علمي للباحث الأسترالي كولمان سنة 2005، وذلك من خلال تحليله لمعطيات حملات المسح الزلزالي لشركة “وود سايد” التي كانت تنشط في التنقيب عن النفط في عمق البحر الموريتاني، ثم توالت من بعد ذلك الرحلات العلمية في المياه الموريتانية العميقة على متن سفن البحث الإسبانية والألمانية والنرويجية لدراسة هذه التلال.
والتلال المرجانية في المياه الباردة العميقة هي تكوينات من الرواسب البحرية والشعاب المرجانية نمت على مدى آلاف السنين وتوفر بنيتها ثلاثية الأبعاد موئلا للعديد من الأنواع البحرية للنمو والتكاثر والاحتماء من المفترسات وسطوة التيارات البحرية الهائجة في عمق المحيط البهيم.
و تعدّ التلال المرجانية الموريتانية حسب بعض الباحثين الأطول في العالم التي تم اكتشافها حتى الآن، حيث تمتد على أكثر من 400 كلم على عمق يتراوح بين 450 إلى 550 مترا وبارتفاع يصل أحيانا إلى 100 متر.
وحسب هذه الدرسات، توجد التلال المرجانية اليوم في حالة غير نشطة؛ إذ يقدّر العلماء أن نموها، الذي امتد على مدى 120 ألف سنة مضت، توقف على الأقل خلال 11 ألف سنة الأخيرة، ولكن في السنوات الأخيرة اكتشف على متن سفينة الأبحاث النرويجية “فريدجوف نانسن” بعض الشعاب المرجانية الحيّة المحدودة شمال الرأس الأبيض وعلى الحدود مع السنغال، تبدو في صحة جيدة، وتعيش في ظروف بيئية تتميز بسيادة ما يعرف بمنطقة الحد الأدنى من الأكسجين (OMZ) حيث يصل الأكسجين المذاب في الماء أدنى نسبة له وهو ما ما يرمي بالعديد من الأسئلة حول كيف تأقلمت هذه الشعاب المرجانية مع هذه الظروف الصعبة، خصوصا أن نسبة الأكسجين فيها تقل جدا عن الحد الأدنى المعروف أصلا لنمو هذه الشعاب.
تواجه التلال المرجانية والشعاب الحية في موريتانيا العديد من التحديات منها ماهو عالمي؛ كالتغير المناخي (تحمض المحيطات، ارتفاع درجة الحرارة…”) ومنها ما هو محلي؛ كالصيد الكثيف بأدوات الجر في المياه العميقة حيث تتواجد هذه الشعاب، وكذلك أنشطة التنقيب عن الغاز والنفط المنتشرة في كامل المياه البحرية الموريتانية، هذا بالإضافة إلى مشاكل التلوث وغيره، وهو ما يؤثر بطبيعة الحال على هذه الشعاب ومن ثم على كامل التنوع الأحيائي في المياه البحرية الموريتانية، حسب الباحث في معهد المحيطات حمود ولد الفاضل.