الخطابُ الدينيُّ يؤسِّس لصراعٍ مذهبيٍّ كارثيٍّ وتوظيفٍ سياسيٍّ للروايات – أطروحة جديدة للشرفاء الحمادي
في أطروحة اليوم، يؤكد المفكر العربي الكبير الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي، أن الخطاب الإلهي خطاب واحد محدد المضمون متسق المعاني راقٍ في الحوار، يستند إلى المنطق والعقل، يدعو إلى الرحمة والمحبة والتعاون والمساواة والعدل بين جميع البشر، في المقابل نجد الخطاب الديني متعدد المناهج والاتجاهات ومختلف المضامين والأهداف، وكل خطاب يعتمد على مرجعية تختص به، فنجد على ساحة الدعوة الإسلامية خطابات دينية متعددة متناقضة، وكلُّها اختزلت الإسلام في دعوتها إلى معتقدات ذات توجهات مغايرة لكلٍّ منها، مما أدى إلى صراع مذهبي كارثي، فكل طائفة تعصبت لمذهب معين، فتفرق المسلمون، واتبعت كل طائفة إمامًا ومعلمًا ومرشدًا.. التفاصيل في السياق التالي.
خطاب متناقض مختلف الأهداف والمضامين والمرجعية
في البداية يقول الشرفاء الحمادي: إن الخطاب الديني متعدد المناهج والاتجاهات، وكل خطاب تختلف مضامينه وأهدافه عن الخطاب الآخر، وكل خطاب يعتمد على مرجعية تختص به، فنجد على ساحة الدعوة الإسلامية خطابات دينية متعددة متناقضة، وكل منها اختزل الإسلام في دعوته إلى معتقدات ذات توجهات مغايرة لكل منها.
الخطاب الإلهي راقٍ ومحدد المضمون ويخاطب العقل
ويضيف الشرفاء الحمادي قائلًا: في المقابل نجد الخطاب الإلهي خطابًا واحدًا محدد المضمون متسق المعاني راقيًا في الحوار، يستند إلى المنطق والعقل ليتفق مع فهم المخاطب وهو عقل الإنسان، ذا مرجعية واحدة، خطابًا من خالق الناس لكل الناس يدعو إلى الرحمة والمحبة والتعاون والمساواة والعدل بين جميع البشر.
مرجعيات مختلفة ومناهج متعددة متناقضة
ويوضح المفكر العربي أن الخطاب الديني اعتمد على مرجعيات مختلفة ومناهج متعددة متناقضة مع الخطاب الإلهي، مرجعيات اختلفت في أسانيدها وارتبطت مفاهيم أصحابها بالظروف السياسية والاجتماعية حتى أصبح التشريع الإسلامي مصدر خلاف واختلاف، نشأت بسببه نزاعات استمرت مئات السنين، وأفرزت في العالم الإسلامي طوائف عديدة وفرقًا كثيرة متصارعة متقاتلة وعشرات المذاهب الدينية، لكل مذهب دعاته وأئمته، مما سبب دوامة فكرية بين المسلمين وحيرة مترددة للناس في اختيار أي مذهب يتحقق به سلامة إقامة الشعائر العبادية ومصداقية الأحكام التي يتبناها كل مذهب، وأي من المذاهب يتوافق مع المنهج الإلهي.
صراع مذهبي كارثي وتعصب أعمى
وواصل الشرفاء الحمادي حديثه قائلًا: لقد أدى ذلك إلى صراع مذهبي كارثي، فكل طائفة تعصبت لمذهب معين، وتفرق المسلمون، فاتبعت كل طائفة إمامًا ومعلمًا ومرشدًا، وأصبح كل فريق يعتز بإمامه ويعلي من شأنه ويقدس آراءه وفتاواه، ولا يرضى بغيره إمامًا، واعتمد الخطاب الديني على أقوال وروايات كاذبة لتأجيج الخلاف والصراع بين المسلمين واستمرار خلق الفتن فيما بينهم. ولقد أفرزت المرجعيات الطائفية المختلفة طوائف سياسية متعددة وتعصبًا أعمى أنتج متطرفين اندفعوا دون وعي أو ضمير إلى استباحة كل القيم الإسلامية، فنصَّبوا أنفسهم أوصياء على الناس.
التوظيف السياسي للدين وحَدُّ الردة
ويكمل الشرفاء الحمادي حديثه ويقول: فإذا بهم يحاسبون الناس على عقائدهم، ويتهمونهم بالكفر، يحكمون عليهم ما يسمى بإقامة حد الردة بالقتل، علمًا بأنه لا يوجد في التشريع الإلهي في القرآن الكريم ما يسمى زورًا وبهتانًا (حد الردة)، الذي اختُلق لتوظيفه سياسيًّا للانتقام من أصحاب الفكر المخالف لأطروحاتهم الدينية على كل من لا يتبع منهجهم وما يدعون إليه من ثقافة متطرفة وسلوكيات همجية غارقة في الجهل والتخلف والتعصب الأعمى، وما أدى إلى ظهور تلك الفرق المتناحرة هو أن قوى الشر استطاعت التغلغل في الفكر الإسلامي بآلاف المفسرين ورواة الحديث ومصطلحات متناقضة تبثها كل فرقة، وبذلك تشتتت الأمة الإسلامية.
استهداف القرآن وتقديس الخرافات
ويختتم الشرفاء حديثه قائلا: حينما أصبح هناك منهج مستقل لكل فرقة منهم يتعارض مع الفرقة الأخرى تستهدف عزل القرآن وما جاء به من قيم الحرية والعدل والمساواة والسلام عن اتخاذه مرجعًا للتشريع في المجتمع الإسلامي يحقق للناس الخير والصلاح ويزيح عن كاهلهم المستبدين والظالمين مما يهدد امتيازات المتسلطين على المجتمعات الإنسانية والمتسلقين للسلطة الدنيوية الذين يحتكرون الثروة ويستمتعون بالجاه ويحرمون الناس من أبسط حقوقهم الإنسانية ويحتكرون العلوم الدينية لأناس محددين دون غيرهم لتتحقق لهم سلطة دينية تمنحهم السمع والطاعة.