الألعاب التقليدية..عودة إلى التراث في العطلة الصيفية
تعتبر الألعاب التقليدية في التراث الموريتاني محطة ثقافية هامة، تساهم في بناء شخصية الفرد داخل مجتمعه، وتمنحه مكانة خاصة بين أفراد جيله، يصرف فيها المجتمع أوقات فراغه، بعد العبادة و التعلم والأعمال الضرورية في الحياة.
و تنقسم هذه الألعاب التقليدية إلى ألعاب خاصة بالرجال، و أخرى خاصة بالنساء، بما في ذلك الأطفال، كما يمكن تصنيف هذه الألعاب إلى ألعاب ذهنية تنمي العقل وتحتاج لقوة التركيز ونقاء الذهن وتكشف مدى صفاء ذهن الإنسان البدوي، وسرعة بديهته، وقوة ذاكرته وقدرته على استحضار وضبط الأشياء التي عرفها سابقا.
كما توجد ألعاب أخرى بدنية تستخدم فيها القوة العضلية، وتفرض المهارة فيها دربة ورياضة بدنية ولياقة فائقة.
وكان المجتمع الموريتاني يسكن الخيمة وتتبع حياته لطبيعة المناخ فيتنقل في أثر الكلإ والمرعى والماء، واستطاع ابتكار عدة ألعاب ذهنية وعضلية، تم صنع الآليات المستخدمة فيها من بيئته ووسطه الطبيعي، إلى جانب المتعة والفرجة التي يقضي بها أوقات فراغه، في باديته الهادئة.
يقول محمد عبد الرحمن وهو شيخ في السبعين من عمره:
بدأت اللعب في سنين مبكرة، حيث كنا نقضي باقي وقتنا بعد التعلم والدراسة في اللعب وخصوصا في المساء والليالي المقمرة، وفي مقتبل العمر يبدأ الشباب في تقليد الكبار في ألعابهم التي تحتاج لكثير من الدربة والتجربة والقدرات العقلية.
ومن جهته تقول إحدى النساء : كانت النساء يلعبن في البداية ب”الاوزار” وهي بمثابة جعل الطفلة ربة منزل عن طريق التمثيل، حيث تأخذ بعض قطع القماش وبعر الإبل وبعض الأشواك ويجعلن من ذلك صنائع على شكل نساء ورجال وبعض أثاث المنزل، وتصبح الفتاة وكأن لديها شؤونها الخاصة ، وتديرها بالتعاطي مع زميلاتها، وكأنه اختبار من المجتمع للفتاة الصغيرة ودربة لها وتحضير لها للمستقبل الذي ينتظرها ، كما كن يلعبن لعبة “السيك” و”اكرور” وكلاهما لعبة جالسة، كانت لحظات اللعب ممتعة ومسلية.
وتم إحصاء عدد من الألعاب توارثها المجتمع من موروثه الثقافي والحضاري من ماضيه المشرق، من بينها ما يتناسب مع العادات الاجتماعية والمناسبات والأعياد والأيام التي يخلد المجتمع تحت مختلف الظواهر، ومن هذه الألعاب ما يختص بمرحلة الطفولة والشباب، كما للمراحل المتقدمة من العمر ألعابها التي تناسبها.
فمن بين الألعاب ما يستهوي جمهورا واسعا، كلعبة “الغَورافه” الرياضة الرجولية الأكثر رواجا والتي تشبه كرة القدم اليوم، بفريقين متنافسين مع اختلاف في قواعد اللعبة، وكذا لعبة “السيك” وهي لعبة جالسة يتم خلالها تحريك بعض الأعواد على ربة من الرمل ولها قواعدها وجمهورها الواسع، وخصوصا في الأماسي، وكذا لعبة “ظامت”التي تعتبر من أعمق اللعب التقليدية ومن أحوجها لاستخدام الذهن والتفكير بروية.
و تمثل هذه الألعاب مباراة شعبية تجمع بين البساطة و الأصالة وتعكس مدى قدرات الفكر البدوي الصافي، حيث يتم خلالها عرض القدرات الفائقة للمتبارين، ولكل لعبة قاموسها اللغوي الذي يرافقها وكلماتها التي تتكرر على ألسنة المشجعين والمتبارين.
واستطاعت هذه الألعاب أن تؤثر بقوة في ذهنية الشعب الموريتاني، وتمنح قدرات فكرية وذهنية وجسمية كبيرة، حتى تجسد في تلك الأجيال المثل المعروف: العقل السليم في العقل السليم.
وقد تطورت الصناعة التقليدية لهذه الألعاب بشكل كبير استطاعت معه دخول البيت الحضاري في المدينة.
ديدي نجيب
إذاعة موريتانيا