الإفلاس الأخلاقي والمهني… رسائل لأجيال المستقبل!

محمد عبد الرحمن عبدالله
كاتب صحفي
في زمن تراجع فيه الصدق، وغاب فيه الإخلاص، وارتفعت فيه الأصوات الزائفة، تتوالى المشاهد التي تعكس إفلاسًا أخلاقيًا ومهنيًا حادًا، لا يهدد حاضر المجتمع فقط، بل يُرسّخ لدى الأجيال القادمة صورة قاتمة عن معنى النجاح، والقيم، والعدالة.
عندما يصبح النفاق “ميزة”، والانحراف “ذكاء”
نشهد اليوم ترويجًا لنماذج فاسدة، تتصدر المشهد الإعلامي والسياسي والإداري، دون أن تُسائل أو تُحاسب.
من يكذب يُكرَّم، ومن يسرق يُعيَّن، ومن يفشل يُرقَّى، بينما يتوارى أصحاب الضمير خلف الجدران، يُقصَون بصمت لأنهم لا يعرفون التزلف ولا يجيدون الاحتيال.
أين القدوة؟ وأين المعايير؟
في كل مجتمع، تُبنى الأجيال على ما تراه وتلمسه:
– فإذا رأى الطفل أن الكاذب يُكافأ،
– والكسول يُرفع،
– والنزيه يُقصى،
فماذا تنتظر من مستقبله؟
الإفلاس الأخلاقي الذي نراه اليوم لا يُبقي شيئًا من المرجعيات القيمية السليمة، ويمهد لمجتمع مشوه، هشّ، خائف، فاقد للثقة.
المؤسسات تفرغ من معناها
الوظيفة العمومية أصبحت وسيلة للنفوذ، لا للخدمة.
الخطاب الديني اختلط بالمصالح.
الإعلام فقد رسالته.
والتعليم يكرّس التفاوت بدل أن يحقق العدالة.
كل ذلك يُغذي الإفلاس المهني، ويجعل الأمانة مجرد شعار، والمهنة مجرد سلم للربح، لا رسالة ومسؤولية.
جيل المستقبل.. ضحية الانهيار
الأخطر من كل هذا هو أن الجيل القادم يُربّى على هذه التناقضات:
يُطلب منه أن يكون نزيهًا في مجتمع يكافئ الفاسدين،
أن يكون مجتهدًا في نظام يحتفي بالمتملقين،
وأن يكون مبدعًا في بيئة تطرد الكفاءة وتُحيي الرداءة.
ما نحتاجه ليس برامج، بل صحوة قيمية
لن ننهض كمجتمع ما لم نُعد الاعتبار للصدق، والنزاهة، والإخلاص، والعمل الجاد.
فالإصلاح لا يبدأ من القوانين فقط، بل من الضمير الجماعي، والسلوك الفردي، ومن قرارات شجاعة تُعلي من شأن الكفاءات، وتُبعد من عبثوا بالقيم والمصير.
في الختام…
ما ترسله الأنظمة، والنخب، والمؤسسات من صور وسلوكيات هو ما يُشكل وعي الأطفال، ومخيال الشباب، وطموح الغد.
فاحذروا من الإفلاس الأخلاقي والمهني، لأنه لا يُفقد الحاضر فقط، بل يُرسل إلى أجيال المستقبل رسالة مفادها: لا قيمة للقيم.