الزكاة أعظم تشريع مالي عرفته البشرية نزل من فوق 7 سماوات .. ثورة على عبودية المال

علي الشرفاء : دستور رباني يعيد توزيع الرحمة على الأرض .. عملية جراحية لضمير العالم تنقذ المجتمعات من داء الفقر
عندما يخوض الإنسان في حديثه عن المال تجده متسلحاً بـ الأرقام والمعادلات والنسب والخسائر والارباح .. أما عندما يتكلم الله جل عُلاه عن المال ينحني المنطق لأنه امام عظمة الخالق وسلطانه .. ثم .. ثم تخرّ القوانين الوضعية ساجدة لأنها أمام حكمة ربانية لا تدركها العقول البشرية المحدودة .
و الحديث الالهي عن فريضة الزكاة لا يشبهه أي حديث .. لانه حديث عن فريضة عظيمة تعد بمثابة ركيزة وجود وضمانة تماسك .. فريضة تمثل صمّام أمان لـ مجتمعات تعطلت فيها سبل الخير والعطاء .. ثم .. ثم تسربت إليها فوضى النهم والشح والتكالب علي الدنيا بزخرفها الزائل .. مجتمعات تآكلت فيها قيم البركة والخير والعدل .
وعندما كتب المفكر العربي الكبير علي الشرفاء الحمادي كتابه ” الزكاة صدقة .. وقرض حسن ” تجد كلماته تبحر بـ عمق في جوهر هذه العبادة الربانية ومقاصدها الروحية وابعادها المجتمعية العميقة الاثر والتأثير .. الكتاب يكشف للإنسانية أننا أمام أعظم تشريع مالي عرفته البشرية .. تشريع لم يصدر عن اقتصاديات البشر .. بل نزل من فوق سبع سماوات من عند خالق البشر .
.. و .. و في قراءة لافتة لـ مفهوم الزكاة يطرح علي الحمادي في كتابه ” الزكاة صدقة وقرض حسن ” رؤية تحرر الفهم من الجمود .. متسائلًا بـ جرأة واعية : هل النسبة التي حددها الفقهاء السابقون كـ 2.5% لها سند قرآني صريح ؟ .. هل تتناسب هذه النسبة مع حكمة الله التي أرادها من فرض الزكاة ؟ .. تساؤلات علي الشرفاء هنا تساؤلات لها دلالات وجودية وأخلاقية ومجتمعية .. لأن الزكاة في أصلها تشريع يُعيد توزيع المال .. ويزرع الرحمة ويهدم التفاوت الطبقي المدمر ويربط القلوب لا الجيوب .
و النصاب القرآني كما يشير علي الشرفاء في كتابه ليس مجرد رقم جامد .. بل هو أداة ربانية تعيد هندسة المجتمع .
وفي مفارقة دامغة يلفت الحمادي في كتابه إلى أن الله الغني عن عباده .. يطلب من عبادة قرضاً .. ويَعِده بـ أن يرد له هذا القرض أضعافا مضاعفة .. ورغم هذا الوعد الرباني .. لا يزال كثير من الناس يستكثرون على الله هذا المال .. ويترددون في إنفاقه إلا على كماليات الدنيا بلا نفع ولا طائل .
وقد ذكر القرآن الكريم أن أداء الزكاة لا يكون إلا من المؤمنين حقاً .. كما قال سبحانه وتعالي : ” واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين إن كنتم آمنتم بالله ” .. صدق الله العظيم .. فالله يخاطب المؤمنين الذين يؤدون الزكاة عن قلب راضٍ ونفس مطمئنة .. لا يجادلون في مال الله .. الذي له ملك السموات والأرض والذي اعتبر إخراج المال للفقراء ” قرضاً ” ووعد بـ مضاعفته .. فـ هل نستحي من الله الذي خلقنا ورزقنا ومنحنا الصحة والحياة ؟ .. ثم .. ثم نتردد في الاستجابة له .
والحديث هنا ليس عن قرض مالي بل عن اختبار روحي حقيقي .. هل المال سيد الإنسان أم عبد للمال ؟ .. هل يستطيع المؤمن أن يسمع نداء الحق في المال ؟ .. أم أن المال يعلو في قلبه على نداء الرحمن ؟ .. وهنا الزكاة وفق منطق الكتاب ليست ضريبة .. بل هي تحرير للإنسان من عبودية المال .. وحماية له من السقوط الأخلاقي والاجتماعي .. هي أيضاً وعد رباني بـ البركة وضمان إلهي بـ تدفق الخير .. ومظلة تقي من الفقر والانهيار .
فـ ما من مال زُكي منه إلا نما .. وما من مال حبس حق الله عنه إلا تآكل وإن بدا كثيراً .
إذ يطلق علي الشرفاء في كتابه كلمات اشبه بـ ضربة إيقاظ قائلاً : استيقظوا أيها الناس ولن أقول أيها المسلمون .. فلو كنا مسلمين بحق لـ أطعنا الله وتسابقنا إلى الزكاة كما نتسابق إلى الأرباح ..و باستدعاء قرآني يلخص علي الشرفاء الفلسفة الربانية للملكية الحقيقية مستدلاً بـ قول الله سبحانه وتعالي : ” قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء… ” صدق الله العظيم .. فلا مال باقي ولا ملك دائم ولا ضمان إلا مع الله .. فـ حق الله في المال ليس رفاهية بل هو جوهر الدين وعدالة المجتمع .
من هنا نستطيع القول بكل عزم وثقة .. بـ ان الزكاة يا أمة الإسلام ليست مسألة حسابية بل إعلان إيماني وتجديد للعهد مع الله .. نستطيع القول بـ أن المال أمانة وأن الإنسان مستخلف فيه لا متملك له .. فـ هل نعيد النظر ؟ .. هل نتحرر من عادات التردد والجحود ؟ .. هل نُدرك أن الزكاة ليست عبئاً على الغني بل أمان لـ ماله ورحمة للفقير ونجاة لـ مجتمعات بـ أكملها ؟
الزكاة يا سادة .. لا تُؤخذ بل تُمنح .. الزكاة عطاء بلا منة .. الزكاة تهدي القلوب وتطبب النفوس وتحقق سكينة لا تشبهها اي سكينه .. اللهم اني قد بلغت اللهم فاشهد .