مدارس تكوين المعلمين؛ تحدٍّ أولي في التكوين الأولي
محمد سالم حبيب
الموريتاي : بعد نجاح المشاركين في مسابقة مدارس تكوين المعلمين – والتي يصاحب تنظيمها عادة- الكثير من الاختلالات كما هو شأن غيرها من المسابقات – يتلقى هؤلاء الناجحون تكوينا أوليا لمدة ثلاث سنوات بهذه المدارس.
(وبالمناسبة تكفي سنتان من التكوين إحداهما أكاديمية وأخرى مهنية وغير ذلك، هدر لطاقاتٍ نحن في أمَس الحاجة إليها).
سنوات تكوين يفترض أن يتخرج صاحبها بمواصفات معينة سنتعرض لها في موضوع لاحق إن شاء الله.
لكن ما إن يلجوا مدارسهم، حتى تجد إدارات هذه المدارس نفسها أمام مستويات لغوية متباينة جدا ومتدنية جدا.
تجعلنا نتساءل كيف استطاع هؤلاء تجاوز عتبة الباكلوريا من جهة؟
وتعدي المسابقة المنظمة لدخولهم هذه المدارس من جهة أخرى؟
يمكن تفهم بعض ذلك أنه تباين مرده نظام التخصص المرتبط بالشعب، لكن أن يصل الأمر لدى بعضهم، لدرجة عدم امتلاك أبسط مبادئ ومحتويات التعليم الأساسي، فذاك ما يدعو للاستغراب.
وضعية تجعل مسيري هذه المدارس في حيرة من أمرهم، وفي تحدٍّ لايحسدون عليه.
خلاصة الأمر، أنهم صاروا أمرا واقعا وعلى مستقبلِيهم التّكيف مع الوضع والتحدي الجديد.
وضع و تحدٍّ، يظهر أمام أول تقويم تشخيصي أو تكويني للوافدين الجدد.
وإن كان الأحسن أن يكون تشخيصيا للاطلاع في البداية على النواقص، ويمكِّن من تحديد المستوى اللغوي لكل منهم، وفق السلم الأوروبي للغة، إن راعى التقويم ذلك.
وهو ما تحاول بعض هذه المدارس جاهدة، تتبعه لأنه الأنسب والأمثل.
لكن هذا الإجراء، قلًّ أن يأتيَ أكله بفعل غياب بعض الإجراءات المصاحبة.
إذ من المعروف أن السُّلم الأوروبي للغة يقسمها إلى خمس أو ست مستويات، وهو ما يحتم تقسيم المدخلات لكل شعبة تبعا لذلك.
الأمر الذي تعجز عنه البنية التربوية لهذه المؤسسات وخصوصا الحديثة النشأة منها ، والتي لاتتجاوز بنيتها في أحسن الأحوال، ست حجرات.
ثم أن مثل هذا الإجراء يحتاج تفغيل مايسمى مخابر اللغة، والذي لاتزال تجربته في هذه المدارس تراوح مكانها، بفعل غياب التكوين والتأهيل، وكذا صياغة محاورَ ودعاماتٍ لغوية جديدة وفق كل مستوى لغوي.
وهو ما يتطلب وضع آلية سريعة تمكن من استغلال هذه المخابر، إضافة لضرورة مرونة البرامج، ليتم مراجعتها وفقا لتلك الاعتبارات .
أضف إلى ذلك قلة وندرة الكادر البشري المؤطر و المتخصص الذي سيشرف على تقديم هذه المحاور اللغوية، بالصيغة المناسبة.
وهم عادة مكونو اللغة العربية، الذين ينحصر وجودهم بالعاصمة، مما يحرم مدارس تكوين المعلمين بالداخل منهم، على أساس احتكاكهم أكثر من غيرهم بهذه البرامج والمدارس وبتلك الوضعية، والأمثل في التكيف معها.
لنجعل من فكرة تولي كل مكون من مكوني اللغة العربية، تخصصا لغويا – على اعتبار أنه يتقنه أكثر من غيره لتكون مردوديته في ذلك المجال أفضل وأحسن – نوعا من الفضول.
وإن كان حلما، ينبغي أن نسعى للوصول إليه لاحقا، بعد تحقق المحطات السابقة عليه.
لنجد مكونا في الصرف ومكونا في النحو
ومكونا في الأدب، وآخر في البلاغة…
هذه العوامل الثلاثة أي:
– البرامج
– البنى التحتية والوسائل التربوية
– الكادر البشري المؤطر.
من أهم الاختلالات التي أثرت على التكوين الأولي بمدارس تكوين المعلمين.
وإن كانت الإدارات الحالية مع ما تمتلك من كوادر تأطيرية محدودة، وفي ظل كل تلك التحديات و العقبات السابقة؛ تبذل جهودا مضنية في هذا المجال، سبيلا لحلحلة الواقع والمستوى المزري -الذي يصل فيه هؤلاء إلى عتبات هذه المؤسسات- إلى آخر يتوفر فيه الحد الأدنى من المواصفات المطلوبة عند التخرج.
وقد آثرت في هذه الخرجة الاقتصار، على اللغة باعتبارها الوعاء الأساسي لامتلاك المعارف والمهارات، وتجعل المربي على السكة الصحيحة وتفتح أمامه وغيره، آفاقا واسعة تضمن له الارتقاء بنفسه وبرسالته التي كلف بها – إن قدُّر له توظيفها في ما ينفع الناس ويمكث في الأرض – إلى مصاف المربين المميزين.