أسباب تسرب الحيل إلى المعاملات التمويلية الإسلامية

د.أباي محمد محمود اجيد

الموريتاني : تسرب الحيل إلى كثير من معاملات مؤسسات التمويل الإسلامي أساء للمصرفية الإسلامية؛ وفقدت بسببه بعض مصداقيتها الشرعية أمام أنصارها وعملائها حتى أضحى بعضهم ينكر وجود فارق مؤثر بين البنوك الإسلامية والبنوك الربوية.

ولضرورة معالجة ذلك؛ ولأن المسؤولية هنا مركبة ليست خاصة بالمسؤولين عن تلك البنوك، أو هيئات الرقابة الشرعية فيها فحسب، بل تشمل أيضا الزبناء، إذ لديهم حيلهم الخاصة بهم كما عرفنا من خلال المقالات السابقة التي عرضنا فيها لبعض الحيل التي تسربت إلى المعاملات التمويلية الإسلامية.

كما أن الزبناء يستطيعون أيضا محاربة انتشار هذه الحيل أو الحد منها على الأقل وذلك بيقظتهم وامتناعهم من إجراء المعاملات المشتملة على تلك الحيل المرفوضة.

والبنوك همها إرضاء الزبناء والمنافسة في توفير المعاملات التي تجذبهم، ولولا ضغط الجماهير وامتناعها من معاملة البنوك الربوية ورغبتها في معاملات مشروعة لما انتشرت الصيرفة الإسلامية في كثير من الدول حتى غدا أكثر البنوك الربوية يحتال بفتح نوافذ إسلامية لجذب العملاء وإرضائهم بتوفير المعاملات التمويلية التي يرغبون فيها. بل إن بعض البنوك الربوية -كما بلغني من بعض عملائه – يسعى في إقناعهم بإجراء المعاملات التي يرغبون فيها ليكسب ودهم فيحتال في معاملة المرابحة مثلا بسداد الثمن عنهم فقط دون أن يشتري شيئا حقيقة؛ لكونه ممنوعا من ذلك ثم يستوفي منهم ما دفعه مع الفائدة التي سماها ربحا وذلك لا يغير من حقيقتها شيئا فهي ربا إذ العبرة في العقود لحقائقها ومعانيها لا  لألفاظها ومبانيها.

وعلى كل فإن أسباب تسرب الحيل إلى المعاملات التمويلية الإسلامية منها: ما يتعلق بهيئات الرقابة الشرعية لدى البنوك الإسلامية، ومنها ما يتعلق بالموظفين الذين يتولون إجراء تلك المعاملات، ومنها ما يتعلق بالزبناء أنفسهم، وهنالك أسباب أخرى غير ذلك.

 علاقة هيئات الرقابة الشرعية بتسرب الحيل

أما فيما يتعلق بهيئات الرقابة الشرعية وهي: الجهاز الذي يضم عدداً من الفقهاء المتخصصين في المعاملات المالية؛ لوضع الضوابط الشرعية المستمدة من الأدلة الشرعية، ومتابعة تنفيذها للتأكد من سلامة التنفيذ. وفق ما جاء في معايير المحاسبة الصادرة من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.

فإن هذه الهيئات تعتبر هي الضامن الأول لانضباط معاملات المؤسسات التمويلية بالضوابط الشرعية، والجمهور يكل أمر ذلك إليهم غالبا، ولذا فإن البنوك الإسلامية تختار أسماء هيئات الرقابة الشرعية بعناية، إذ تختار رموزا علمية لها القبول الواسع في أوساط الجماهير. فيقول الناس عندئذ أو بعضهم “علقها برقبة عالم واخرج منها سالما” أو كما يقول أهل الخليج: ” اجعل بينك وبين النار مطوعا”.  وأصل العبارة قول ابن السراج رحمه الله: “من قلد عالما لقي الله سالما” ومن يتمثل بهذه العبارة ويتكئ عليها وإن كان له فيها بعض العذر لكن هذه القاعدة ليست على إطلاقها كما قال العلوي في مراقي السعود:

وقول: من قلد عالما لقي *** الله سالما فغير مطلق.

 التقصير في هذه المسؤولية يعتبر تغريرا بمن يتعامل مع المؤسسة؛ وقد لا يكون لديه من الاطلاع ما يكفي لتمييز الصيغ الصحيحة ومدى توفر الضوابط الشرعية في العقد

عمل هيئة الرقابة الشرعية -كما يفترض إذا- هو: وضع المعايير الشرعية لضبط عمل المؤسسة المالية، والتأكد من سلامة تنفيذ المؤسسة للمعايير والأحكام الصادرة عن هيئة الرقابة، وفحص مدى التزام المؤسسة بتلك الأحكام في جميع أنشطتها. وبقدر ما يكون في هذه المسؤوليات من تقصير من قبل الهيئة الشرعية ومكوناتها تتسرب الحيل إلى المعاملات ولا يراعى فيها ما يجب مراعاته سواء في صيغها فتدخلها المحاذير الشرعية، أو في تطبيقها الخاطئ مما يحيلها لمعاملات ممنوعة مع كونها صيغا صحيحة سليمة في الأصل لو طبقت كما ينبغي، وبالتالي فهيئات الرقابة الشرعية تتولى كبر هذه المسؤولية.

ومما يذكر هنا أن أحدهم جاء إليّ بعقد إيجار منته بالتمليك من إحدى مؤسسات التمويل الإسلامية وإذا به يتضمن شروطا محرمة لا يمكن أن تصدر عن مؤسسة تمويل إسلامي فتعجبت وتواصلت مع مسؤول هيئة الرقابة الشرعية بها لنكتشف أن هذا العقد قديم قبل الأسلمة ولا يشتمل على الضوابط الشرعية، ولكن لا يزال بعض موظفي المؤسسة يستخدم هذا النموذج الفاسد.

فأمر مسؤول هيئة الرقابة الشرعية حينئذ بتغيير العقد والتوقيع على الصيغة الصادر عن هيئة الرقابة الشرعية.

إن التقصير في هذه المسؤولية يعتبر تغريرا بمن يتعامل مع المؤسسة؛ وقد لا يكون لديه من الاطلاع ما يكفي لتمييز الصيغ الصحيحة ومدى توفر الضوابط الشرعية في العقد، وفي حسبانه أن ما يصدر عن المؤسسة التمويلية الإسلامية لا بد وأن يكون صادرا عن هيئة الرقابة الشرعية وعن إذن منها وإقرار لبنوده، وما يتضمنه.

فكان لزاما عليها القيام بتلك المسؤولية على وجهها الأكمل مراقبة وتدقيقا وبحثا وإفتاء، كما يتعين “إلزام المصرف بأن تكون جميع العقود والمنتجات التي يقدمها لعملائه مجازة بصورتها النهائية من هيئة الرقابة، ويوثق ذلك بتوقيع أعضاء الهيئة على المنتج بصورته النهائية، بحيث لا تكتفي الهيئة بإجازة الهيكل العام للمنتج.

وينبغي لهيئة الرقابة الشرعية إجراء فحص عشوائي يكون شاملاً لجميع أنواع المنتجات المصرفية للتأكد من مطابقتها لفتاوى الهيئة”. كما يقول الدكتور يوسف الشبيلي.

ولا يجوز شرعاً أن ترى هيئة الرقابة الشرعية المصرفَ الإسلامي أو غيره يسوق منتجاته باسمها وهي لم تتأكد من مطابقة معاملاته لفتاواها، وما تقرره. وسكوتها حينئذ يعد تضليلاً وتلبيساً على الناس؛ الذين إذا رأوا أسماء العلماء وتواقيعهم لم يخامرهم الشك في انضباط معاملات تلك المؤسسة بالضوابط الشرعية فيدخلون معها في معاملاتها، وربما لا يسألون ثقة بالهيئة الشرعية لا بالمصرف ذاته.

فليتقوا الله فينا إننا نفر*** في علمنا وتقانا تنزل البركه

ما يتعلق بموظفي مؤسسات التمويل الإسلامية

وأما فيما يخص موظفي مؤسسات التمويل الإسلامية الذين يتولون إجراء المعاملات وتنفيذها فتقع على عاتقهم مسؤولية عظيمة أيضا وبعض الحيل والاختلالات تأتي من قبلهم حينما يحصل تقصير وعدم مراعاة لتنفيذ الضوابط الشرعية المقررة لصحة المعاملة على وجهها المطلوب.

وكمثال على ذلك في بيع المرابحة لا بد أن يكون ما يتم بين المصرف والآمر بالشراء أولاً مجرد مواعدة، ولا يصح توقيع عقد البيع على السلعة قبل تملك المصرف لها ودخولها في ملكه وضمانه وحيازته لها، لكن بعض الموظفين لا يراعي ذلك، فيجري العقد مع الزبون قبل تملك المصرف للسلعة،  أو لا يراعي مسألة الحيازة فيراها شكلية غير مؤثرة، أو يواطئ المعرض الذي سيشتري منه المصرف السيارة على أن يشتريها من الآمر بالشراء، بل إن بعض الموظفين يتفق مع بعض بائعي السلع والخدمات ليحضروا إلى المصرف ببضاعتهم فإذا جاء زبون واشترى المصرف البضاعة وباعها للزبون اشتروها هم من الزبون أيضا وهذا مؤثر في صحة العقد وينحوا به نحو بيع العينة المحرم، وأكثر الموظفين إنما يفعل ذلك جهلا منه بالضوابط الشرعية اللازمة لصحة تلك العقود.

ولذا فإنه لا بد من العناية بأولئك الموظفين ومنحهم دورات للتعرف على المعاملات التي يجرونها وتثقيفهم بأحكام الشريعة فيها.

“ولا يخفى على أحد أن البنوك الإسلامية أصبحت تحت المجهر بعد أن برزت من خلال الأزمة المالية العالمية بنموذجها الرائد الذي صمد في وجه هذه الأزمة، وعليه أصبح الخطأ غير مغتفر لا من الأصدقاء ولا من الأعداء، لأن الحرب التسويقية بعد الأزمة وحتى قبلها أصبحت تعتمد على تشويه السمعة حتى وإن كانت البنوك الإسلامية تنشط في محيط إسلامي، فالطرف الآخر أصبح يستعمل أخطاء البنوك الإسلامية أو أخطاء العاملين بها لتشويه سمعتها في الأوساط الإسلامية وغير الإسلامية، بما فيها أولئك الذين يؤمنون بالعمل المصرفي الإسلامي، مما جعلنا نفكر بعمق في أصل المشكلة فلاحظنا أن من بين أهم الأسباب التي جعلت أعداء الصيرفة الإسلامية ينجحون في زرع الشك في أوساط رجال الأعمال الذين يبتغون الحلال هو التساهل في انتقاء العاملين لدى هذه البنوك”.

فكثير من موظفي مؤسسات التمويل الإسلامية ينقصهم التكوين المتخصص في مجال الصيرفة الإسلامية بل إن بعض أولئك الموظفين إن لم نقل أكثرهم

كانوا في السابق من موظفي البنوك التقليدية ولا يزال يغلب عليهم الفكر المصرفي التقليدي حتى بعد انتقالهم للمصارف الإسلامية، هذا مع ما لديهم من نقص كبير في الأفكار النظرية والعملية التي تميز الصيرفة الإسلامية.

ينبغي الحرص على أن يتلقى الموظف في هذه المؤسسات التمويلية الإسلامية، دورات تدريبية على الصيرفة الإسلامية ليحصل الرصيد المعرفي الكافي في مجال فقه المعاملات، من أجل ضمان عدم الوقوع في أخطاء شرعية فادحة قد تحيل المعاملة من المشروعية إلى أن تكون معاملة ربوية وهو لا يدري، فقد يكون الفرق بين الحلال والحرام مجرد خيط دقيق جدا كما في الحديث: “بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً” إنه شيء يسير لكنه مؤثر.

    ينبغي الحرص على أن يتلقى الموظف في هذه المؤسسات التمويلية الإسلامية، دورات تدريبية على الصيرفة الإسلامية ليحصل الرصيد المعرفي الكافي في مجال فقه المعاملات

وهذه الأخطاء والتجاوزات التي تقع من بعض الموظفين قد تنفر الناس من البنوك الإسلامية وترسخ لديهم فكرة: ألا فرق بينها وبين البنوك الربوية. كما يروج لذلك أعداؤها.

الأخذ بالأقوال الشاذة والضعيفة

ومن الأسباب الرئيسة لتسرب الحيل الممنوعة إلى المعاملات التمويلية التي تجريها البنوك الإسلامية: الأخذ بالأقوال الشاذة والضعيفة واعتمادها. ولذا فأكثر المعاملات اليوم التي يناكف في مشروعيتها ويذهب الجمهور إلى منعها قد اعتمدت الهيئات الشرعية في البنوك التي تتعامل بها على أقوال شاذة، أو مرجوحة ضعيفة، كالتورق المنظم، وغرامة التأخير ونحوها.

وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الثامن حول ضوابط الأخذ بالرخص الفقهية ما يلي: ” المراد بالرخص الفقهية ما جاء من الاجتهادات المذهبية مبيحاً لأمر في مقابلة اجتهادات أخرى تحظره. والأخذ برخص الفقهاء، بمعنى اتباع ما هو أخف من أقوالهم، جائز شرعاً بالضوابط الآتية في البند (4)…

أ- أن تكون أقوال الفقهاء التي يترخص بها مُعتبرة شرعاً ولم توصف بأنها من شواذ الأقوال .

ب- أن تقوم الحاجة إلى الأخذ بالرخصة، دفعاً للمشقة سواء أكانت حاجة عامة للمجتمع أم خاصة أم فردية .

ج – أن يكون الآخذ بالرخص ذا قدرة على الاختيار، أو أن يعتمد على من هو أهل لذلك .

د – ألا يترتب على الأخذ بالرخص الوقوع في التلفيق الممنوع الآتي بيانه في البند (6).

هـ – ألا يكون الأخذ بذلك القول ذريعة للوصول إلى غرض غير مشروع.

و- أن تطمئن نفس المترخص للأخذ بالرخصة.

5- حقيقة التلفيق في تقليد المذاهب هي أن يأتي المقلد في مسألة واحدة ذات فرعين مترابطين فأكثر بكيفية لا يقول بها مجتهد ممن قلدهم في تلك المسألة.

6- يكون التلفيق ممنوعاً في الأحوال التالية:

أ- إذا أدى إلى الأخذ بالرخص لمجرد الهوى، أو الإخلال بأحد الضوابط المبينة في مسألة الأخذ بالرخص .

ب – إذا أدى إلى نقض حكم القضاء.

ج – إذا أدى إلى نقض ما عُمل به تقليداً في واقعة واحدة.

د – إذا أدى إلى مخالفة الإجماع أو ما يستلزمه.

هـ – إذا أدى إلى حالة مركّبة لا يقرها أحد من المجتهدين”.

زر الذهاب إلى الأعلى