لماذا الفساد الإداري والسياسي؟

بويايْ سيدأحمد أعلِ

الموريتاني : يعرف الفساد فى اللغة بأنه التلف والعطب والاضطراب والخلل (وفسد) ضد صَلُحَ (والفساد) لغة البطلان، فيقال فسد الشيء أي بطُلَ واضمحل ، وفي التنزيل العزيز (ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقهم بعْضَ الَّذي عَمِلوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون ) صدق الله العظيم الروم الآية 41. لذلك الفَسَادُ هوإِلحاقُ الضَّرَرِ ويأتي التعبير عنه على معانٍ عدة بحسب موقعه فيعرفه معجم أوكسفورد  بأنه “انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة”.
ومن هنا فإن القضاء على الفساد و رواسب الاستبداد وقوى الارتداد يتطلب رئيسا وحكومة وشعبا ذو ثقافة مدنية تؤمن بفضح ممارسات الزبونية التي هي شكل من اشكال الفساد الاجتماعي والسياسي وعائق فى طريق الديمقراطيات الوليدة. كما تفرض السلوكيات الديمقراطية على الطامحين ببناء دولة القانون الخروج من عنق زحاجة المحاباة القبلية وتحطيم جدار النفاق السياسي والإقرار بتبنى المبادئ الديمقراطية واحترام الشفافية والسير على نهج معايير ونظم الدولة القانونية سلوكا وممارسة بطريقة صارمة دون غض الطرف عن أبسط المخالفات التي قد تتطور فتؤدي إلى فتور فى تطبيق القانون ومن ثم الدوس
على روحه ، إن ستين عاما من عمر الدولة الوطنية – ونحن لازلنا فى طور مراهقة البناء الديمقراطي والترميم السياسي والاجتماعي ولم تصل سفينتنا إلى خليج الراحة ورصيف الأمان – يستدعي منا نخبة مثقفة وساسةً ومسوسين أن نتوقف قليلا عند قراءة منحنى عمر الدولة والمنعطفات التى مرت بها لإستكشاف الأسباب التى أدت بنا إلى التأخر عن الركب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلميا رغم كثرة الأحزاب والتنوع الاقتصادي والتعدد العرقي الذي يعتبر مصدر ثراء ؛وهنا لابد من المصارحة والمكاشفة فيجب أن نُقِرَّ ونعترف أن سبب ما نعيشه من انتكاسات وكبوات يرجع أساسا إلى الانقلابات التى ظلت تنخر جسم الدولة إلى عهد قريب وإن نُمِقَتْ بخلع البذلة العسكرية وارتداء الزي المدني ، إلى جانب ترهل وضعف أداء الاحزاب السياسية والنفاق السياسي بمختلف أشكاله ، وغياب الوعي المجتمعي .
لقد ترتب عن الانقلابات العسكرية توريث نُخَب سياسية فاسدة تابعة في اغلبها لمقاليد الحكم افرغت الدولة من مفهومها وهيبتها وأحلَّتْ ورسخت ثقافة النظام وسيادة شخص الرئيس وتقديسه ، فضلا عن التمالؤ مع الفساد واصحابه وغياب روح المواطنة وضعف الضمير المهني ،لقد أدت هذه الممارسات مع مرور الوقت إلى تَجَذُر المحسوبية والزبونية فى التعاطي مع الشأن العام دون مراعاة للشفافية والكفاءة فى التعيينات والتوظيف وتوزيع الثروات ومحاسبة المتورطين وإعطاء الأولوية للكفاءات التكنوقراط على حساب الولاءات السياسية فأدت هذه الافعال إلى نكوصٍ وإحجام عن نمو وتطور الدولة فى الاتجاه السليم وبات الفساد الإداري والسياسي يعشعش فى أروقة الدولة ويقصم العمود الفقري للعدالة ويصيب كبد الإصلاح بفيروس التخلف وسرطان الفساد .
إن سَنَّ القوانين وتسطيرها وكتابتها على الورق وإعلانها عبر الإعلام الرسمي والحر وتحريم الفساد وتجريم بعض الممارسات فهذا وحده لايكفي إذا لم يُشْفع برقابة موازية ومحاسبة دقيقة وعين يقظة وإرادة صلبة ونية صادقة لتفادي هشاشة المؤسسات ومعالجة الاختلالات . 

زر الذهاب إلى الأعلى