هل اذعنت المعارضة لدور المؤسسة العسكرية في اللعبة الديمقراطية ؟ / سيدي عيلال
الموريتاني : إن النظام الحاكم امتداد لسابقه في الشكل على الاقل ، فالرئيس له ماض عسكري قريب والحكومة في اغلبها مرت من نهج النظام السابق والمعارضة ايضا هي نفسها معارضة النظام السابق في الزمان الحاضر وفي العناصر والأحزاب فما لذي جرى حتى رضيت المعارضة بحكم العسكر علما بأن شخص واحد هو من خرج من مشهد النظام الحاكم وهو شخص الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ؟
حاولت المعارضة الديمقراطية عبر سنين من نضالها ضد النظام الحاكم اخراج المؤسسة العسكرية من اللعبة الديمقراطية وللمعارضة تاريخ حافل بالوقائع والمطالبات الرافضة لممارسة العسكر للسلطة ولتدخلهم في الديمقراطية مطالبة بأن يكون الجيش جمهوري تنحصر مهمته في الذود عن حياض الوطن وحماية الشعب والتصدي لأعدائه غير ان هذه المطالب ظلت شعارا تصدح به حناجر قواها الرافضة للخلط بين الديمقراطية كنظام مدني وبين مزاحمة ابناء الثكنات لأصحاب الحق في اللعبة الديمقراطية التعددية كوسيلة حكم وحيدة اقرها دستور الجمهورية وقد اكدت مطالب المعارضة في آخر اصداراتها قبل الاستحقاقات الرئاسية الماضية تمسكها بتلك المطالب وعبّر العديد من قادتها عن ضرورة الخروج من هيمنة المؤسسة العسكرية وتحكمها في المشهد السياسي للبلد والذي تأكد دوره في الاستحقاقات نفسها خاصة في مناطق الوسط والضفة والشرق الا ان المشهد بعد حسم الاستحقاقات لصالح مرشح ” الدولة ” والأغلبية السياسية و ابن المؤسسة العسكرية البار عرف هذ المشهد تحولا ناعما اصبح فيه الخطاب اكثر مرونة وأكثر واقعية واقر ولو ضمنيا بضرورة التعامل مع الواقع وفق منطق الرابح والخاسر وهو خطاب يأخذ من مقاربات المؤسسة العسكرية والأمنية سلاسة قبول الرأي الآخر المتعلق بدور العسكر في ترسيخ وتأمين وتوطيد الممارسة الديمقراطية نفسها خاصة في وطن تحاصره النزاعات السياسية المسلحة وضعف الاداء الاقتصادي في المنطقة المحيطة به وداخل الوطن ذاته ونخبته تفتقر الى عراقة التجربة السياسية المؤمنة بالرأي والرأي الآخر ولا تزال تتحكم فيه نزوات ونزعات عصور الخوف والظلم وتكريس مبدأ الحياة للأقوى ، نخبة تتجرد من تاريخها تلبية لتحقيق شهوة او رغبة جامحة في الحاق الأذى بالخصوم والتخلص من كوادر الوطن حينما يخالفون اصحاب النفوذ فالخبرة ليست ملكا للوطن بل هي سبب اقصاء ان تحكم المخالفون .
ان المؤسسة العسكرية في اغلب المؤسسات الديمقراطية وأكثرها عراقة هي من يضمن النظام الديمقراطي وهي من يوجهه وهي اكبر مؤسساته الاستشارية حضورا في رسم خططه وفق رؤيتها الامنية المتعددة الجوانب فالأمن يقطي الجوانب التقليدية وكذا التوقعات المستقبلية وحاضر التسيير المنتظم والمستمر لشؤون الشعب والوطن بعيدا عن العواطف والانحياز الاعمى ، ومن هذه الرؤية ظلت المؤسسة العسكرية في العالم الثالث عموما وبلدنا خصوصا تبرر اسباب حضورها في المشهد السياسي الديمقراطي وقد تعززت هذه الرؤية بعد ان اصبحت الدول الراعية للديمقراطية في العالم الثالث تميل الى تفضيل الممارسة الديمقراطية في ظل المحافظة على الامن حينما ظهرت نظريات الارهاب العابر للحدود وحينما برزت في المشهد تنظيمات ” متطرفة ” تمكنت من تهديد وجود دول عريقة وواجهت هذه التنظيمات جيوش الدول النظامية المتطورة وكلف كسب النصر عليها اثمان باهظة دفعها الجميع .
لقد تمكنت معارضتنا من مواكبة التحول الديمقراطي المحلي بكثير من الاستعداد والانفتاح على النظام وحاولت بهدوء احداث ثغرة في جدار التحالف القوي بين المؤسسة العسكرية والهياكل الديمقراطية المختلفة غير ان حراكا داخليا نشط هذه الايام ربما يعيد محاولة المعارضة الى مربعها الاول فإخراج المؤسسة من نظام اوجدته وحمته وطورت الى حد بعيد مساحة مشاركته الجميع فيه من اجل وطن آمن ديمقراطي تعددي موحد، ليست عملية سهلة ولن تكون سريعة النتائج ولا مضمونة النجاح غير ان كل هذه المعوقات لا يجب ان تحول دون التجربة وشرف المحاولة بهدوء وبتعامل جاد مع الواقع دون محاولة سحب البساط من تحت أي فصيل مشارك في العملية السياسية الوطنية فسحب البساط بفعل تدبير متعمد اقصاء للمستهدفين وهم قد تمكنوا من اختراق المؤسسة الديمقراطية والمجتمعية وقدموا اداء في الجانب الامني اقنع الشركاء الاكثر فاعلية والاقدر على تبرير استمرار النظام الديمقراطي بكل هوامشه الامنية والاجتماعية .