عيد الفطر.. أسواق نواكشوط ما بين خطر كورونا والإفلاس
الموريتاني : محمد، بائع أحذية في السوق المركزي بالعاصمة نواكشوط، مصدر رزقه الوحيد طاولة عند إحدى بوابات السوق، استقبل عيد الفطر هذا العام بكثير من القلق، فالإجراءات التي رافقت تفشي جائحة «كورونا» حولته إلى شبه عاطل عن العمل، يقول محمد: «نحن خائفون والناس خائفة.. والإقبال ضعيف جداً».
يضع محمد كمامة من القماش المتواضع، هي جدار الأمان الوحيد على وجهه وهو يستقبل متسوقين تجاهلوا التعليمات الحكومية وتوجهوا إلى السوق مضطرين، بعضهم يرتدي اللثام التقليدي والمحظوظون منهم يرتدون كمامات طبية، ولكن أغلبهم لا يشتري إلا بعد أن يفاوض بقوة لتخفيض السعر.
كانت الحركة بطيئة في السوق المركزي، بالمقارنة مع ما كانت تعرفه الأسواق خلال الأعياد السابقة، وهو ما يفسره خونه، وهو صاحب مكتب لصرف العملات، بأن «أهل البادية والولايات الداخلية لم يُسمح لهم بدخول نواكشوط لشراء ملابس العيد».
يقول محمد في حديث مع «صحراء ميديا» قبل ساعات من إغلاق السوق المركزي: «إن إغلاق السوق يضرنا، يضرنا كثيراً، فالسوق هو مصدر رزقنا الوحيد»، ولكنه يضيف أنه سيلتزم بقرار الحكومة إغلاق الأسواق ومنع الحركة خلال يومي العيد ابتداء من الساعة الرابعة مساء.
خلال شهر أبريل الماضي ومع تزايد عدد المصابين بالفيروس، قررت السلطات الموريتانية إغلاق الأسواق بشكل تام، قرار استمر لعدة أسابيع، ويقول محمد: «لقد أثر علينا ذلك القرار كثيراً، نحن الشباب العاملون في بسطات الأحذية والملابس الجاهزة، تحول أغلبنا إلى عاطلين عن العمل».
ولكن ما يشتكي منه محمد ورفاقه هو استمرارهم في دفع الإيجار الشهري مقابل وضع طاولات في زوايا السوق، إذ يدفعون مبلغ 30 ألف أوقية قديمة شهرياً، وهو أمرٌ يرون فيه ظلماً لهم، في ظل إغلاق السوق وإجراءات تحد من إقبال المتبضعين.
يقول محمد: «سمعت أحاديث عن إغفاء الإيجار لشهر مايو، ولكنها ما تزال مجرد أحاديث، فمن أجروني هذا المكان لم يبلغوني حتى الآن أي شيء».
على غرار محمد تحدثنا مع سيدة تؤجر محلاً في السوق الجديد، يقع محلها في منطقة مهجورة من السوق، قالت بغضب: «أيها الصحفيون لقد أرعبتم الناس بكورونا، إنه غير موجود لأنه كذبة كبرى، تم اختلاقها لتخويف الناس».
وأضافت السيدة: «أنا هنا في هذا المحل وحدي ولا أحد يطرق الباب، بسبب هذه الكذبة، مع أنني في الأعياد السابقة كنت لا أرتاح بسبب زحمة الزبناء في محلي، اليوم بضاعتي كاسدة بسببكم».
كانت هذه السيدة تحس بالوحدة والغضب، لأن الزبناء الذين يرتادون السوق يقتصرون على المحلات القريبة من الشوارع، ولا يتوغلون في السوق كثيراً.
رغم ضعف الإقبال على السوق المركزي في نواكشوط، والحركة البطيئة التي غلبت عيه طيلة الأيام الماضية، إلا أن ذلك لم يمنع حدوث الزحمة أمام بعض محلات السوق الجديد، وفي بعض أزقة السوق القديم، فتزاحم مئات المتبضعين وعدد كبير من الباعة المتجولين والأطفال المتسولين.
أغلق الأمن الطرق المؤدية إلى السوق أمام السيارات، وترك المتسوقين يدخلون راجلين، أول ما يتلقفهم عشرات الباعة المتجولين يعرضون كمامات القماش المتواضعة وقنينات صغيرة يقولون إن فيها معقماً، كما يعرضون قفازات جراحية للبيع.
أغلب المتسوقين يتجاهلون باعة الكمامات والقفازات، على الرغم من أنهم يكتفون بلثام تقليدي أو طرف ملحفة شفافة، قال أحد المتسوقين: «لا أثق في هذه البضاعة، لأنني لا أعرف مصدرها، ثم إن الله هو الواقي»، قبل أن يواصل السير نحو قلب السوق، حيث الزحمة.
كانت السلطات حين قررت إبقاء الأسواق مفتوحة، أعلنت أنها ستكون صارمة في فرض إجراءات السلامة، ولكن من يدخل السوق يجد أن نسبة كبيرة من رواده تتجاهل هذه الإجراءات، يقول سيد أحمد، وهو صاحب محل في السوق الجديد: «أفرض على عمالي ارتداء الكمامات، ولكن لا يمكنني إرغام الزبناء على ذلك».
ويعتبر سيد أحمد أن المسؤولية تقع على عاتق رجال الأمن المرابطين عند بوابات الأسواق، وعندما حاولنا الحديث إلى أحدهم، وهو شاب يبدو أنه تخرج حديثاً من مدرسة الشرطة، أو ربما لم يتخرج بعد، حاول في البداية أن يشرح لنا صعوبة إرغام المئات على ارتداء الكمامات، ولكنه أحجم بعد أن تلكأ، وقال: «أنتم الصحافة.. ماذا تفعلون هنا ؟ ألستم خائفين ؟».
لقد بدا واضحاً في السوق أن خيار «التعايش» مع الوباء، الذي تحدث عنه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في خطابه بمناسبة عيد الفطر، سيكون خياراً صعباً ولكنه حتمي، فيما يرى عبد الله وهو خريج علم الاجتماع من جامعة نواكشوط ويعمل تاجراً في السوق أن «الوعي هو الحل الناجع أمام هذا الوباء».
ويضيف عبد الله أنه لاحظ في الأيام الأخيرة ارتفاع نسبة الوعي بخطورة الوباء، وحرص رواد السوق على التباعد الاجتماعي، ويضيف: «لقد بدأ الناس يحسون بالخطر، وأصبحوا يفهمون كيف يقون أنفسهم من العدوى، ولكننا مازلنا في البداية وهناك من يخاطرون بحياة الجميع حين يتجاهلون التعليمات».