ما لا يعرفه ترامب عن رياضة السومو ! / بقلم هانم جمعة
الموريتاني : انحنى بظهره إلى الأمام وحدق بعينيه الزرقاوتين باتجاه الحلبة الدائرية المملوءة بالطين والرمال، عله يقتنص مشروعاً تجارياً يزيد من شمخرة وجسامة ثروته، كان مظهر اللاعبين العملاقان العاريان مثيراً للدهشة، لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كانت ملامحه ممزوجة باللامبالاة وعدم الرضى، فبينما كان بجانبه رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي يصفق بحرارة في نزال السومو الذي أقيم في اليابان في شهر مايو من العام المنصرم.
كان ترامب وزوجته ميلانيا يجلسان بصمت غريب. بالطبع الذي مارس المصارعة الحرة WWE وما تحتويه من تمثيل وتفاهة لن تستهويه مصارعة يكاد يحاسب لاعبيها على خطواتهم وملامح وجههم. إن شبح الثقافة الأمريكي الذي لاحق اليابان ومحيطها كان عصياً على السومو فتقليدها صارم، وقوانينها قاومت العدوى الأمريكية ومثيلاتها من الثقافات المعلبة، فاز اللاعب اسانوياما البالغ وزنه 390 رطلا بالنزال، بعدها قام ترامب بتسليمه الكأس الذي أحضره معه من البيت الأبيض، لكن نزال السومو الذي بات على ما يبدو ثقيلا على قلب ترامب يخفي في طياته أسراراً عن رياضة تعود بتاريخها إلى ما قبل قيام الكيان الأمريكي نفسه.
يعتقد الكثير أن السومو هي فقط عبارة عن أجسام دسمة تصطدم ببعضها البعض؛ لكن في الحقيقة أن السومو هو طقس ديني تعود أصوله إلى ما يزيد عن ألف وخمسمئة عام، وكانت مرتبطة جدا مع ديانة الشنتو اليابانية، حيث ذكرت كلمة سومو لأول مرة سنة 712 م في كتابات الكوجيكي أو وقائع الأحداث القديمة وهي أولى المدونات اليابانية المعروفة. كانت تؤدى تقوس السومو كصلاة في المزارات لضمان عدم غضب الآلهة والحصول على حصاد وفير ويعتبر اليابانيون السومو ثقافة يجب الحفاظ عليها فهي مرتبطة إلى يومنا هذا بأصول اليابان الدينية ومبادئ الشنتو تحكم الحياة اليومية لمصارعي السومو
أسانوياما وياما، وغيرهم من مصارعي السومو يعيشون في مكان يسمى السوموبويا أو الاستقرار، يأكلون وينامون ويتدربون فيه طوال حياتهم المهنية ما لم يتزوجوا. والسوموبويا يستوعب ما يقارب 15 مصارعاً، يتم ترتيبه وفق لتسلسل هرمي صارم، المصارعون أصحاب المستوى الأدنى ينهضون الساعة السادسة صباحا فيطهون الطعام وينظفوا المكان. وينتظرون المصارعين الأعلى رتبة ليقوموا بتمارين قاسية على معدة فارغة، بعدها يأكلون طعاما بسعرات حرارية عالية وينامون حتى يتأكدوا أن الطعام تحول إلى دهون مما يساعد على رفع أوزانهم، لا يرتدي مصارعي السومو إلا الملابس اليابانية التقليدية فحتى الملابس غير مسموح أن يختاروها بأنفسهم، أما الشعر يكون مصففاً بتسريحة “تشون ماغي” حيث يكون أَمْلَس ممسوكاً بحلية خاصة، تشبه رأس الحربة على غرار تسريحة الساموراي .
على مصارعي السومو أن يتحكموا في سلوكياتهم وشخصياتهم بالأماكن العامة فعندما يكون هناك نزاع يكون المصارعون حكماء ويتحدثون بهدوء. خلال المباريات يجب أن يمتنعوا عن إظهار عواطفهم، الفرح عند الفوز أو الحزن عند الخسارة، فالقاعدة الأولى تقول لا يجب الاستجابة للعواطف أو الخضوع للألم، لا يحتوي جسم المصارع على دهون فقط، فخلف هذه الدهون يوجد عضلات قوية وليونة عالية .
من الصعب أن تدفع شخص يزن 200 كيلو غرام خارج الحلبة لذلك يخضع مصارعو السومو إلى تمارين شاقة بجانب زيادة وزنهم، فمدارس السومو تأخذ رجلاً يزن 80 كيلو غرام فتعمل على تدريبه وزيادة وزنه، وتحوله إلى رجل آخر يزن ما يقارب 180 كيلو غرام، وجبته اليومية تحتوي على الكثير من الدهون واللحوم والعصائر المليئة بالسكريات مما يجعل الجسم يخزن كميات كبيرة من الدهون، لكن ما لا يعرفه الكثير أن هذه الأوزان الثقيلة ظهرت في ثلاثينيات القرن الماضي حيث شعر مصارع السومو الرشيق في الأصل أن مع زيادة وزنه سوف يصعب تحريكه خارج الحلبة، وبعدها انتشر عادة رفع الوزن إلى ما فوق الطبيعي.
سلسة المحظورات طويلة في لعبة السومو فحرية الاختيار والتصرف شبه معدومة، الهاتف النقال يمنع استخدامه إلا ضمن شروط يضعها شيخ المعتزل التدريبي، كما الأصدقاء والصديقات ممنوعون أيضاً من الدخول، لا يسمح للاعب السومو بقيادة السيارة، كما يمنع إطلاق اللحى أو إطالة الأظافر أو وشم الأجساد، وتمنع النساء من دخول الحلبة أو حتى ممارسة اللعبة بحسب القواعد التقليدية للسومو. أثناء النزال تحتم القواعد التنافسية استخدام اليدين فقط لطرح المنافس أرضاً أو دفعه خارج حلبة القتال الدائرية المحددة “دوهيو”. ويطلق على مصارع السومو “ريكيشي” يكون عارياً لا يرتدي سوى قطعة من القماش تلفّ حول الخصر وبين الأرجل ويطلق عليها “ماواشي”. وإذا فقد المصارع حزام الـ”ماواشي” هذا أثناء النزال وأصبح عاريا تماماً فإنه يعد خاسراً.
ينطلق النزال مع إشارة الحكم والذي يعرض الناحية الثانية من مروحته. بعد مرحلة الترصد، يلمس اللاعبان الأرض بكلتا يديهم للتعبير عن قبولهم النزال. تبدأ مرحلة المواجهة الجسدية، يرتمي كل من المصارعين على الآخر. الهدف هو رمي المصارع الآخر إلى خارج الدائرة أو وضعه على الأرض، سنة 1992 ظهر ما يسمى بالاتحاد الدولي للسومو والذي أضاف الكثير على رياضة السومو وجعل منها رياضة تمارس في كل مكان في العالم، حيث حددوا أوزان معينة لها وقسموها إلى أعمار وفئات عمرية، على غرار الألعاب القتالية الأخرى، كما سمح الاتحاد للنساء بممارسة لعبة السومو وحددوا لهم ملابس خاصة بهم، كما يعمل اتحاد السومو حاليا على دخول حيز الألعاب الأولمبية.
ها هو اسانوياما يعود إلى الحلبة ممسكا الملح بقبضة يديه ليرشه على حلبة “دوهيو” للتطهير كما جرت العادة. وعيون ترامب تحدق بجسده المترهل الضخم، قبل النزال الذي لا يدوم لأكثر من دقيقة عادة. هي الدقيقة الأطول في حياة ترامب الرئيس الأمريكي الوحيد الذي شاهد مباراة سومو يابانية، ولعل لزوم زيارته لليابان تحتم عليه مشاهدة رياضة السومو، الذي على ما يبدو لم ترق له كثيرا، فلا شتائم ولا نساء ولا مراهنات ولا تعابير شرسة، فالسومو تحكمها أدبيات وأخلاقيات لن يفهمها مثيرو الفوضى العالمية، لكن بالتأكيد الرسالة اليابانية وصلت بكل وضوح عبر السومو..” نحن حلفاء ولكن لن تتلاعب بنا براثن أمريكا الملوثة، فحضارتنا قوية عصية عن التغيير.