اغلاق حزب الوحدوي بين المشروعية والتسييس
لا اصدقاء ثابتون في السياسية ولا مواقف مستقرة ، كل ما فيها متغير متبدل حسب الأحوال وما تقتضيه مصلحة السياسي ، لكن عندما يدور الحديث عن القوانين والتشريعات فإن التعامل بهذا الأسلوب الزئبقي ليس أمرا مقبولا ، لأن الجميع ببساطة محكوم بنص محدد يتعين احترامه.
لقد أثار قرار السلطات اغلاق حزب الوحدوي الأسبوع الماضي هذه الجدلية القديمة الجديدة بين ما هو سياسي محض وما هو شرعي صرف أي يستمد قوته وكينونته من القوانين والتشريعات النافذة دون غيرها من المقاصد والاعتبارات الخفية ، وهي في الحقيقة جدلية معهودة في المشهد السياسي الموريتاني المتقلب والمرتبك هذه الأيام.
ففي الوقت الذي كان فيه ولد عبد العزيز ورهطه يبحثون عن اطار سياسي يلملم شتات شملهم ويتيح لهم منبرا شرعيا للتعبير والتجمع وإصدار البيانات ، قطعت وزارة الداخلية الموريتانية الطريق عليهم بتصرف لا يمكن وضعه الا في خانة الاستبداد السياسي والاستخدام المتعسف للسلطة في وجه الحريات الأساسية للأفراد ، لقد ادعى النظام ان اغلاقه لمقر الحزب والطعن في الحكم الصادر لصالحه يستند الى ادلة تؤكد مخالفته للقانون، ذكر من بينها: التزوير قصد بلوغ الأهداف والقيام بتغيرات خارج الاطار القانوني المنظم لأنشطة الأحزاب ، واعتبر أن ما اقدم عليه الحزب قد “يمس بالسكينة والأمن العام “.
عبارات مطاطة فضفاضة يمكنك اسقاطها في أي اتجاه شئت وتأويلها كيفما اتفق ، لم تقنع طيفا واسعا من النخبة الموريتانية المثقفة ، حتى تلك التي تجاهر بعدائها الشديد لولد عبد العزيز ، إذ رأت فيها تعديا على المكتسبات الديمقراطية ونكوصا واضحا من ولد الغزواني عن تعهداته التي طالما شنّف بها آذان الموريتانيين إبّان رئاسيات 2019 . بل أنها تخالف نهج الرجل المتصالح ورغبته الواضحة في تحقيق التهدئة والقضاء على حالة الاحتقان التي طالما عكرت صفو الأجواء السياسية في البلد.
لكن اغلاق حزب الوحدوي المفاجئ جعلت الجميع يتساءل : لمَ يُحرم مواطنون موريتانيون من حقوقهم السياسية والمدنية لمجرد تهمة فساد ما زالت في طور التحقيقات الأولية ، وما هو متداول بشأنها حتى الآن لم يصدر عن أي جهاز قضائي أو أمني مختص ؟! . أليس في هذا انتهاك صارخ للقاعدة القانونية الراسخة في كل تشريعات العالم والتي نص عليها الدستور الموريتاني في مادته 13 وجاء فيها حرفيا ” يعتبر كل شخص بريئا حتى تثبت إدانته من قبل هيئة قضائية شرعية”.؟ والبراءة كما هو معلوم تقتضي تمتع الفرد بجميع حقوقه دون نقص أو تنغيص.
أما الادعاء بأن ما قام به حزب الوحدوي “يهدد السكينة والأمن العام” فلا يعدو كونه اجترار لعبارات أنظمة القمع التي اعتادت على خط الأوراق واقحام المخاطر الأمنية كشماعة لتبرير مصادرة الحريات . فمتى كان الانضمام للأحزاب او الانسحاب منها يهدد الأمن والسكينة العامة؟!. هذا مستوى متهافت جدا من المغالطات كنا نعتقد ان موريتانيا تجاوزته بمراحل.
إن لجوء النظام الى اغلاق حزب الوحدوي والتضييق على ولد عبد العزيز وجماعته لا يحتاج لكثير فطنة وذكاء ليخرج الشخص باستنتاج لا يشوبه اللبس بأن النظام يسعى من ورائه لتحقيق هدفين أساسين :
الأول ، منع أي صوت مضاد قد يخفف من حالة هيجان الشارع الموريتاني ضد ولد عبد العزيز وجماعته ، ويبدو أن نظام غزواني حريص على أن يظل الرأي العام حانقا وحاقدا على ولد عبد العزيز طيلة فترة التحقيقات ، لذلك عندما شعر بنوع من التعاطف الخفيف معه بعد اغلاق حزب الوحدوي لجأ الى تسريب فيديوهات لممتلكات هيئة الرحمة وأخرى تابعة لشركة يمتلكها صهره ولد امصبوع ، وذلك لذر الرماد في العيون لإبقاء مستوى الغضب والتجييش في الشارع الموريتاني ضد “المفسدين” على ما هو عليه.
الهدف الثاني هو حرمان ولد عبد العزيز من اطار سياسي يستطيع من خلال ان يحشد وينظم ويجيش المغاضبين والمتذمرين والساخطين على عزواني وحكومته ، وهم كثر ويزدادون كثرة كل يوم مع توسع دائرة التحقيقات وزيادة لائحة الاتهامات والإقالات من الوظائف. ضف الى ذلك المواطنين المتململين من اوضاعهم الاقتصادية الصعبة التي لم تتحسن بعد مرور سنة من بدء التطبيق الفعلي لبرنامج تعهداتي ، هذا كله يشكل تحديا سياسيا على المديين البعيد والمتوسط ، ويجب منع عزيز من استغلاله.
وإذا كان النظام قد حقق تلك الأهداف ولو مرحليا ، فإن ولد عبد العزيز في المقابل جنى بعض الثمار القليلة من المضايقة ابرزها أنه كسب بعض التعاطف الشعبي ، حيث ظهر الرجل كضحية مستضعف ، مستهدف ، بينما خصومه ظهروا بمظهر المستبد المتغطرس الذي يضرب عرض الحائط بقوانين البلد وتشريعاته النافذة . ولا شك ان خرجة ولد عبد العزيز الإعلامية المرتقبة يوم غد الثلاثاء – إن سمح لها بأن تقام – سيركز فيها على مسألة المضايقة السياسية وتشويه السمعة المتعمد وذلك لاستدرار عطف المواطنين الموريتانيين. سيبكي عزيز ، ويتباكى، ويتحدى في آن معا ، وسيقارن بين الحريات في عهده والحريات في عهد النظام الحالي متخذا مما تعرض له وسيلة للمقارنة.
ومهما تكن مآلات الأمور وتطوراتها اللاحقة ، علينا ان نجعل من احترام القانون معيارا للحكم على التصرفات والقرارات الصادرة من هذا الطرف او ذاك ، فلا ينبغي ان تكون مجرد التهمة مطية لحرمان المواطنين من حقوقهم السياسية أو مبررا لإغلاق الأحزاب ، لكن إذا اصدر القضاء حكمه القاطع البات بتجريم ولد عبد العزيز ومن على شاكلته من رموز العشرية ، فيجب ان تأخذ العدالة مجراها في حقهم وينالوا ما يستحون من عقاب ،، وإلى حين بلوغ هذه المرحلة فإن مصادرة حرياتهم هذه المجموعة لن يخرج عن إطار الانتقام وتصفية الحسابات الذي تستغل فيه مؤسسات الدولة وكيانها المادي والمعنوي دون وجه مشروع.
الموريتاني