تأسيس الشركات التجارية وفق الضوابط القانونية شرط لترقية الاقتصاد الوطني

الموريتاني : لاريب أن الشركات التجارية هي المحرك الأول لعجلة اقتصاد الدول ومن ثم تعد من المصادر البارزة لإثراء وامداد الخزينة العامة للدولة بفضل ما يترتب في ذمتها من الإيرادات الضريبية، كما أنها الإطار الأكثر ملاءمة للقيام بالمشاريع الاقتصادية الكبيرة والتي يعجز عن تحقيقها الفرد (الشخص الطبيعي). 
فإمكانية توظيفها لأعداد كبيرة من العاطلين عن العمل ومباشرتها للقيام بالمشاريع الاقتصادية الضخمة هو ما يتطلب كفاءة عالية في التسيير والتخطيط والإدارة..، وهي أمور غالبا ما لا تتوفر في الشخص الطبيعي، 
من هذا المنطلق كانت الشركات التجارية هي أفضل وسيلة لإرساء دعائم الإنتاج الوطني وتعزيز ثروات المستثمرين، لكونها القادرة على القيام بكل الأعمال ذات الطابع التجاري والصناعي، وهو أمر جعل أغلب التشريعات القديمة والحديثة تولي أهمية خاصة لنشأتها مرورا بالصعوبات الاقتصادية التي تمر بها وصولا إلى مرحلة التصفية وقسمة موجوداتها.
فموضوع الشركات إذن، موضوع متأصل في العلوم الشرعية والقانونية والاقتصادية، فقد كتب فيه الكتاب الشرعيون والقانونيون، وصنفت فيه المجلدات القانونية والموسوعات الفقهية وتناولها القضاء بالاجتهادات القضائية المعمقة.  
ولكي تلعب هذه الشركات دورها البارز في الدورة الاقتصادية وتنشيطها على النحو المذكور، لا بد لها أن تتأسس وفق ضوابط قانونية خاصة، ولا بد أيضا من مراعاة تسهيل إنشائها مع التمسك بجميع الضوابط والإجراءات القانونية الناظمة لسيرها، 
 فمراعاة هذه الأمور هو ما يضمن ويكفل استمرار الأعمال التجارية والصناعية المقام بها من طرفها، وهو ما يضمن لها أيضا وللمتعاملين معها قدرا كبيرا من الأمن القانوني مما قد تخلفه الشركات التجارية من آثار سلبية تضر بسمعتها وبالمستثمرين وبالاقتصاد وبمراكز الشغل.
فلا يمكن للشركة أن تكون فاعلا في الاقتصاد ما لم تتكون عبر الوفاء بجميع المستلزمات القانونية المترتبة على تأسيسها واحترامها لتلك الإجراءات القانونية هوما يعزز من تقوية الائتمان التجاري. لذلك سنتعرض لمعالجة هذا الموضوع وفق المخطط التالي:
المحور الأول: الطبيعة القانونية للشركة 
المحور الثاني: الضوابط القانونية لتأسيس الشركات التجارية  
المحور الثالث: توصيات تتعلق بتسهيل إنشاء الشركات التجارية 
                                   المحور الأول: الطبيعة القانونية للشركة  
يعتبر التعاون عموما مصدر ثراء وتنوع، ومن هذا القبيل التعاون بين أفراد الإنسان، ومن صوره الخاصة الاشتراك في مشروع تجاري بقصد الربح الذي ينشأ عادة عن هذا المشروع. 
وفكرة الاشتراك فكرة قديمة قدم التاريخ، فالتعاون بين الأفراد للوصول إلى هدف معين، كان قائما في المجتمعات القديمة، ومبرر ذلك أن جهود الأفراد تعجز عن الوصول لتحقيق أهدافهم المنشودة، ولذلك يسعون دائما إلى الاشتراك على نحو يتقاسمون فيه المغانم والمغارم. 
ومن ضمن تلك المجتمعات التي عرفت فكرة الاشتراك المجتمعات الإسلامية، فقد دلهم القرآن والسنة على تلك الفكرة، فقال جل من قائل: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا)، وقال عليه الصلاة والسلام: ” من سبق إلى مالم يسبق إليه مسلم فهو أحق به “. وينشأ الاشتراك بعدة طرق منها: الميراث، والهبة، والصدقة لجماعة معينة، ومنها: الإباحة، ومنها العقد. 
وتثير دراسة مفهوم الشركة وطبيعتها بعض الأمور المهمة التي لا يمكن للباحث القانوني أن يستغني عن معرفتها، ذلك أن فهم وتصور الطبيعة القانونية للشركة متوقف على معرفة هذه المسائل، ومن بين تلك الأمور على سبيل المثال، مدلول الشركة في اللغة ومدلولها في الاصطلاح وهل الشركة عقد أم نظام؟   
كلها مسائل تستدعي البحث للإحاطة بمكون الشركة باعتبار أنه أصبح من أشخاص القانون ومن الفاعلين الاقتصاديين المعول عليهم في الرفع من مستوي التنمية الاقتصادية.
وسنقوم بوقفات قصيرة نشير من خلالها إلى هذه الأمور التي يثيرها بحث الشركة:     
أولا: مدلول الشركة في اللغة والاصطلاح 
أ ـ الشركة في اللغة 
الشركة بفتح الشين وكسر الراء، وبكسر الشين وإسكان الراء، تطلق على عدة معان منها: الاختلاط أو خلط المالين بمعني اشتراكهما في شيء واحد، وقيل أن يوجد شيء بين اثنين فصاعدا، وقيل أن يكون الشيء بين اثنين لا ينفرد به أحدهما ويقال اشتركا في الأمر بمعني تشاركا فيه قال تعالي: (واشركه في امري) أي في النبوة وتبليغ الرسالة. 
ومن ذلك أن السائب ابن ابي السائب كان شريكا للنبي صلي عليه وسلم أول الإسلام، فلما رآه يوم الفتح قال له: ” مرحبا بأخي وشريكي لا يداري ولا يماري”. واشترك الرجلان صار كل منهما شريكا للآخر، قال أبو ليلي النابغة الجعدي: 
وشاركنا قريشا في تقاهـــــا …. وفي أحسابها شرك العنان 
بما ولدت نساء بني هلال …. وما ولدت نساء بني أبــان
 والحاصل من هذه التعريفات اللغوية، أن معني الشركة في اللغة يدور على التعدد الذي يفيد الاختلاط والاشتراك في شيء ما بين اثنين. 
ب ـ الشركة في الاصطلاح القانوني 
أما الشركة في الاصطلاح القانوني فهي كما حددتها المادة 920 مكررة من قانون الالتزامات والعقود الموريتاني بأنها “عقد يضع بمقتضاه شخصان أو أكثر أموالهم أو عملهم لتكون مشتركة بينهم بقصد تقسيم الربح”، ويتضح من خلال هذا التعريف أن الشركة عبارة عن عقد يشتمل على أكثر من شخص واحد، سواء كان هذا الشخص طبيعيا أو معنويا، ويلتزم كل منهم بتقديم حصته من رأس مال الشركة. 
وقد تكون هذه الحصة، عبارة عن أموال نقدية أو عينية أو حصة بالعمل مع حظر حصة العمل في شركات الأشخاص لاعتمادها على الاعتبار الشخصي والمسؤولية التضامنية بين الشركاء المتضامنين. 
وبالنظر والإمعان في التعريف القانوني الذي ورد في المادة 920 المشار إليها أعلاه، نجد أنه يتفق مع تعريف الشركة في الفقه الإسلامي، بل يكاد يكون هو نفس التعريف الذي نحاه الأحناف واعتمدوه، فهي عندهم عبارة عن عقد بين الشركاء في رأس المال والربح، أما المالكية فيعرفونها على أساس أنها ” إذن في التصرف لهما ”   وعند الشافعية ” ثبوت الحق في شيء لأثنين فأكثر على جهة الشيوع”، وعند الحنابلة هي: ” اجتماع في استحقاق أو تصرف ” .  
ثانيا: هل الشركة عقد أم نظام  
إذا كان قانون الالتزامات والعقود الموريتاني  في المادة 920 مكررة ـ كما رأيناـ , يصف الشركة بأنها عقد,  فإن مدونة التجارة تتحدث عن الشركة باعتبار أنها نظام قانوني, ويدل على ذلك أنها تصف العقد المكون للشركة بالنظام الأساسي جاء هذا في الأحكام المشتركة بين الشركات التجارية  في الباب الأول من الكتاب الثاني عند المادة 198 مكررة من التعديل رقم 2015 ــــ 032  “دون مساس بالترتيبات الخاصة بكل صنف من الشركات المنصوص عليها في القانون يخضع إنشاء الشركات التجارية  للإجراءات التالية: 1 ــــ التوقيع على النظام الأساسي النموذجي للشركة من قبل الشركاء المؤسسين للشركة …” ويؤدي هذا الاختلاف بين  المدونة التجارية وقانون الالتزامات إلي أن نتطرق إلي إشكال معروف في مجال قانون الشركات و هو هل الشركة عقد أم نظام ؟ 
أ ـ الشركة عقد 
يعتبر فريق من فقهاء القانون أن الشركة عقد بين اثنين أو أكثر من ذلك، وبموجب هذا العقد يساهم كل منهم بحصة نقدية أو عينية أو عملية في مشروع يستهدف تقسيم ما ينشأ عنه من ربح أو خسارة، ويعني كون الشركة عقدا في نظر أنصار النظرية العقدية، أن للشركاء كامل الحرية في تنظيم حقوق والتزامات الشركاء داخل الشركة، كما لهم تحديد غرضها ومدتها وجنسيتها وطريقة إدارتها وحسم نزاعاتها وتصفيتها، ويعرف هذا المبدأ “بمبدأ سلطان الإرادة ” . 
ويعني هذا المبدأ زيادة علي تحكم إرادة الشركاء في جميع مفاصل الشركة، أنها أيضا تحتاج إلى الإرادة حتى تنشأ، فرضاء الشريك حتى ولو كان منفردا يعد شرطا أساسيا لصحة قيام الشركة، 
فتأسيس شركة ما هو عمل إرادي حتى ولو كان من جانب واحد، والإرادة هي ما تميزها عن العقود المشابه لها كالشراكة في مال التركة وحالة الشيوع الإجباري. 
ب ـ الشركة نظام قانوني 
بدأت هذه الفكرة في القرن العشرين عندما بدأت الدول تتدخل في توجيه النشاط الاقتصادي والاجتماعي، مما جعل جل التشريعات القانونية تتدخل بنصوص آمرة لتنتظم مسائل الشركات. 
ويعني تنظيم الشركات بنصوص آمرة، وجود قيود على حرية التعاقد مما يعني أنه لا يجوز للشركاء مخالفة تلك القواعد الآمرة، والشركة وفق النظرية النظامية هي شخص معنوي ساهم الشركاء في إيجاده ولكنه شخص مستقل بذاته المعنوية 
 وعلي هذا يمكن القول بأن قانون الالتزامات والعقود ومدونة التجارة يزاوجان بين نظرية العقد ونظرية النظام على أن فكرة العقد تطغي على قانون الالتزامات والعقود أكثر من مدونة التجارة، فقانون الالتزامات والعقود الموريتاني كغيره من القوانين التي تعتبر الشركة عقدا لا يقوم إلا إذا توافرت فيه الأركان اللازمة لانعقاد العقد من محل وسبب وتراضي بين الطرفين وخلو إرادتهما من عيوب الإرادة. 
لهذا فإن الشركة في نطاقه ومفهومه عقد رضائي يتوقف انعقاده وصحته ولزومه على أركان عامة وأخري خاصة، إلا أنه في حالات استثنائية لا تنشأ الشركة بمجرد تراضي الأطراف بل لابد أن يتدخل القانون ليقيد حرية الأطراف حماية لهم وللمتعاملين مع الشركة وحماية للاقتصاد الوطني أيضا، 
وعندها يفرض القانون على الأطراف اتخاذ شكل معين من الشركات يري أن النشاط المطلوب لا يمكن أن يمارس إلا من خلاله، أو يفرض شروطا مسبقة على إنشاء الشركة فلا يمكنها أن تتجاوز تلك الشروط، 
وسنضرب أمثلة علي ذلك ـ, فمؤسسات القرض في موريتانيا مثلا , يجب أن تأخذ شكل شركة خفية الاسم , كما لا يمكنها أن تباشر أنشطتها المحددة في القانون إلا باعتماد من البنك المركزي لموريتانيا .  
وفي مجال التأمين يجب على الشركات المزاولة له الحصول على ترخيص مسبق بالإضافة إلى اتخاذ شكل شركة خفية الاسم، فلا يمكن لشركات التأمين أن تأخذ شكل شركة ذات مسؤولية محدودة أو شركة تضامن أو توصية بسيطة. 
وفي مجال الشركات المدنية المهنية ــــ التي تكون بين شخصين طبعيين يزاولان نفس المهنة ــــ لا يمكن تقييدها إلا بعد اعتمادها من طرف السلطة المختصة أو تسجيلها على لائحة أو جدول الهيئة المهنية والأمثلة أكثر من أن تحصي. 
من هنا يمكن القول بأن الشركة تحمل المفهومين معا فتارة تفيد العقد وتارة تفيد النظام وعلى هذا سار الفقيه Leon Mazeaud   حينما اعتبر الشركة مزيجا بين العقد والنظام و وافقه في ذلك أحمد شكر السباعي لذي يقول ” ونظن أن الشركة نظام قانوني ــ دون اندثار الإرادة الناشئة أو الجماعية أو المنفردة كليا، إلا أنه نظام سياسي من نوع خاص يتولد عنه شخص معنوي يميزه عن باقي الأنظمة والتصرفات الأخرى…” 

المحور الثاني: الضوابط القانونية لتأسيس الشركات التجارية 
يعد تأسيس الشركة هو الإجراء الأول لبناء أي مكونة اقتصادية، فمن خلال هذا التأسيس تتشابك العلاقات البينية بين الشركاء من جهة وبين الشركاء والشركة من جهة أخري ويتولد عن إنشاء تلك الشركة ما يعرف بالشخصية المعنوية للشركة، وهو ما يعني استقلال الشركة عن الشركاء المؤسسين، وقبل أن نشير إلى ضوابط تأسيس الشركات يكون من المستحسن أن نعطي لمحة قصيرة عن الشخصية المعنوية للشركة.   
أولا: الشخصية المعنوية للشركة: La personnalité moral de la société
تضاربت الآراء حول الشخصية المعنوية، بين من يرفضها ويعتبرها قائمة على الوهم والخيال وبين من يؤيدها ويري في قبولها انسجاما مع متطلبات العصر، فوطأة المصالح الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة تبرر الاعتراف بالشخصية المعنوية عند كثير من فقهاء القانون، بينما يقدم الرأي الرافض للشخصية المعنوية حججا كان من بينها أنها افتراض أبدعته التشريعات الوضعية لأسباب اقتصادية واجتماعية، فنقل عن الفقيه “جيز” وهو من فقهاء القانون العام قوله: ” لم يسبق لي أن تناولت الطعام مع شخص معنوي فكيف تدعوني إلى الاعتراف به ” . 
 وفي نفس المعني، يحكي عن بعض علماء موريتانيا عند ما سأله أحدهم هل يجوز للشركات أن تتعامل بالربا؟ رد عليه قائلا: ” هل تبعث هذه الشركات يوم القيامة “معتبرا أن الحساب والعقاب لا يثبت لها كما هو للشخص الطبيعي. 
وأصحاب هذا المذهب الأخير نظروا إلي الحق من زاوية صاحبه وصاحب الحق في نظرهم هو من يملك الإرادة والقدرة علي النشاط,  لكن في المقابل جاء الرأي  المؤيد للاعتراف بالشخصية الاعتبارية بكثير من الحجج والأدلة , كان من أهمها أنهم اعتبروا أن الشخصية المعنوية كائن قانوني يرتبط وجوده بقرار من المشرع  إن توفرت الشروط اللازمة للاعتداد به, ولايري هذا الرأي تلازما بين الإرادة والحق , فيمكن أن يكون الحق لإنسان يتمتع بالإرادة والحرية , ويمكن أن يكون لشخص عديم الإرادة والحرية كالشخص المعنوي  والجنين والمجنون , وكالوقف والمسجد وبيت المال.. , فهؤلاء  كلهم تثبت لهم حقوق وتجب عليهم واجبات وهم لا إرادة لهم . 
وإذا كان هؤلاء يمثلهم الأولياء والأوصياء والمقدمون والنظراء والقيمون، فإن الشخصية المعنوية هي الأخرى يمثلها المسيرون والمديرون والمتصرفون وهم بمثابة ناظر الوقف وغيره. 
يتضح مما سبق بيانه حول الآراء القانونية المتضاربة حول الشخصية الاعتبارية من منظور قانوني أن الأقرب والأنسب من هذه الأقوال هو اعمال الشخصية المعنوية وإثباتها للشركات، لأن الشخص الطبيعي (الإنسان) ليس بمقدوره سوي التكفل ببعض المصالح الفردية الخاصة به، في حين أن الأشخاص المعنوية يمكنهم القيام بكل شيء فجهود الشركات والمؤسسات والدولة تتضافر من أجل تحقيق مصلحة مشتركة بين الجميع. 
و من المسلم به أن المشروعات الاقتصادية الضخمة عصية على جهود الأفراد وتمنع الانفراد , ولاريب أن اعتبار المصلحة العامة أو المشتركة هو الدافع وراء إحداث الكثير من قواعد المعاملات , هذا لأن الجانب المتعلق بالمعاملات  المالية عموما اعتبر فيه العلماء  والفقهاء جانب التغير والتبدل وحاجة الناس , لذا يقول الإمام السرخسي الحنفي ” إن حاجة الناس أصل في شرع العقود ,فيشرع العقد علي وجه ترتفع به الحاجة ” ويقاس علي ذلك كل ما ترتفع به الحاجة , وإلي نفس المعني وقريب منه يشير العلامة عبد الله ابن الشيخ المحفوظ بن بيه حفظه الله بقوله :   
                       مآلات الأمور لها اعتبار                   وحاجي الضرورة قد يطــيع 
                      فزن هذا بذاك وذا بهذا                يكن في القيس منهجك البديع 
علي هذا الأساس أثبت كل التشريعات الشخصية المعنوية للشركات، ومن بينهم المشرع الموريتاني فنجده يبين ذلك في مدونة التجارة في المادة 201 ” كل شركة ما عدا شركة المحاصة لها الشخصية الاعتبارية” , والمادة 925 ـــ 7 من قانون الالتزامات والعقود الموريتاني ” تتمتع كل الشركات ماعدا شركة المحاصة المشار إليها في المادة 201 وما بعدها من مدونة التجارة بالشخصية الاعتبارية ابتداء من تقييدها  في سجل التجارة , 
ثانيا: ضوابط التأسيس
لضمان الفعالية الاقتصادية للشركات التجارية ونجاحها كفاعل اقتصادي في الدورة الاقتصادية، لابد أن يكون تأسيسها طبقا للضوابط القانونية الصحيحة، وتختلف هذه الضوابط باختلاف مراحل الشركة، فهناك مرحلة ما قبل التأسيس، ومرحلة ما بعد التأسيس، وما يهمنا من هذه المراحل في موضوع بحثنا هي المرحلة الأولي، وتتشكل هذه المرحلة من مجموعة من الخطوات يجب مراعاتها واتباعها، ونذكر باختصار أهم هذه الخطوات. 
1 ـ اختيار الشكل القانوني للشركة Forme Juridique de la Société 
من المهم جدا للمستثمرين مراعاة هذا الضابط المتمثل في اختيار الشكل القانوني للشركة، فالشركات متباينة فيما بينها من الأشكال القانونية ومن حيث الحد الأدنى لرأس المال وعدد الشركاء والمساهمين وأجهزة الإدارة والتسيير ومن حيث النشاط التجاري الذي ستقوم الشركة بممارسته. 
كلها أمور تتطلب من القائمين على إنشاء المشروع مراعاتها وأخذها بعين الاعتبار، فاختيار الشكل القانوني الذي يتوافق مع المشاريع المراد تنفيذها امر في غاية الأهمية 
2 ـ اختيار الاسم الاجتماعي Dénomination Sociale   
لابد للشركة من اسم يميزها عن غيرها من الشركات، وتختلف تسمية الشركات من شركة إلى أخري أو من شكل إلى آخر ففي شركات الأشخاص مثلا، يتكون الاسم من أسماء الشركاء، كما هو الحال في شركة التضامن والتوصية البسيطة، فالتسمية تكون بالاسم الجماعي Raison Sociale   أما شركات المحاصة فلا تتمتع بالشخصية الاعتبارية وبالتالي ليس لها اسم ولا عنوان. 
 أما الشركات ذات المسؤولية المحدودة فإنها  تعرف بتسمية جماعية  Dénomination Sociale   , تعد هذه التسمية من طرف المؤسسين بشكل حر، ويمكن أن يدرج معها اسم واحد أو أكثر من الشركاء على أن تكون هذه التسمية مسبوقة أو متبوعة مباشرة بعبارة ” شركة ذات مسؤولية محدودة أو بالأحرف الأولي منها ” ش ذ م م ” أو شركة ذات مسؤولية محدودة بشريك وحيد (المادة 340 مدونة التجارة الموريتانية) وفي شركات الأموال يختار الاسم بحرية تامة وليس من اللازم أن يتضمن أسماء  الشركاء , فبعض التشريعات استثني شركة التوصية بالأسهم  و ألزم المؤسسين بتأليف اسمها من أسماء الشركاء المتضامنين دون الموصين .
3 ـ مقر الشركة siège social  
لا بد للشركة من مقر اجتماعي يحدد وجودها المكاني وينفي عنها الصورية ويكون جهة التخاطب القانوني، وهذا المقر يلزم إدراجه في النظام الأساسي للشركة، وقد جاء واضحا في المادة 47 من مدونة التجارة الموريتانية، أنه من بين التصريحات التي يجيب تقييدها في السجل التجاري، مقر الشركة والأمكنة التي للشركة فيها فروع في موريتانيا أو الخارج إن وجدت، كما جاء أيضا في المادة 23 من المرسوم المنظم لسجل التجارة والضمانات المنقولة أنه من بين التصريحات التي يجب تقييدها، مقر الشركة وأمكنة فروعها في الداخل والخارج. 
4 ــ جنسية الشركة la nationalité de la société  
للشركة جنسية على غرار الشخص الطبيعي، وهذه الجنسية تربطها بدولة معينة، وتتحد جنسية الشركة من خلال خضوعها لقانون تلك الدولة، وقد حددت المادة 276 من مدونة التجارة الموريتانية الشروط التي على أساسها تكون الشركة موريتانية عند ما يوجد لها مقر على التراب الوطني: 
شركة التضامن التي يمتلك أزيد من النصف من حصصها أشخاص جنسيتهم موريتانية، 
شركة ذات مسؤولية محدودة يمتلك أشخاص جنسيتهم موريتانية أزيد من النصف من حصصها، 
شركة الأسهم التي تكون أسهمها اسمية ويمتلك اشخاص جنسيتهم موريتانية أزيد من نصفها، 
التجمعات ذات النفع الاقتصادي أو أي شخص اعتباري آخر له موضوع تجاري ويمتلك أشخاص جنسيتهم موريتانية نصف حصص رأس مالها ويكون أزيد من نصف أعضائها جنسيتهم موريتانية. 
5 ـ الذمة المالية للشركة la patrimoine sociale  
عندما يتم اكتساب الشركة للشخصية المعنوية، تصبح لها ذمة مالية مستقله عن ذمم الشركاء، فالذمة تمثل الوعاء الذي يستقبل مساهمة الشركاء، ويسمح للشركة بالتصرف الحر في أموال الشركة. 
وتتكون ذمة الشركة من قسم إيجابي يمثل مجموع الحصص التي يقدمها الشركاء وتنتقل ملكيتها للشركة، وتتكون أيضا من الأموال الاحتياطية التي تكونها الشركة أثناء حياتها والأرباح التي تحققها، 
وقسم سلبي يضم كل الديون بغض النظر عن آجالها القصيرة أو الطويلة أو المتوسطة، فالذمة المالية إذن عبارة عن كتلة الأصول وكتلة الديون. وعلي هذا تكون الذمة أعم من رأس المال الذي يقتصر على مجموع الحصص النقدية أو العينية المقدمة من طرف الشركاء عند التأسيس فهو إذن جانب من جوانب الذمة المالية. 
6 ـ رأس مال الشركة Le capital de la société  
كما أشرنا في السابق إلى أن رأس مال الشركة هو مجموع الحصص النقدية أو العينية التي يقدمها الشركاء عند التأسيس، وعليه فقد أشار إلى هذا قانون الالتزامات والعقود الموريتاني في المادة 929 بقوله:” رأس مال الشركة يتكون من مجموع الحصص المقدمة من الشركاء والأشياء المكتسبة بواسطة هذه الحصص للقيام بأعمال الشركة “. ويجب أن يبين رأس المال في النظام الأساسي، لهذا نصت المادة 925 من ق إ ت ع م علي ذلك ” يجب أن يحرر النظام الأساسي بمكتوب ويبين بالإضافة إلي حصص الشركاء، شكل الشركة ومحلها وتسميتها ومقرها ورأس مالها ومدتها وكيفية تسييرها ” . ورأس المال هو ما يضمن لدائني الشركة ديونهم وحقوقهم، ولهذا لا يمكن المساس به طيلة حياة الشركة..
ولرأس المال أحكام خاصة مبسوطة في قوانين الشركات التجارية، تتعلق هذه الأحكام بتنظيمه على مستوى شركات الأشخاص والأموال والشركات ذات المسؤولية المحدودة، كما تبين هذه الأحكام كيفية الزيادة والنقصان والحد الأدنى له في بعض الشركات التجارية كالشركة ذات المسؤولية المحدودة والبنوك وشركات التأمين وغير ذلك.  
6 ـ التمثيل القانوني للشركة Représentation légale de la personne morale 
يعد اكتساب الشركة للشخصية الاعتبارية مبررا لمزاولتها للأعمال القانونية، وينبغي أن نشير هنا إلى أن أهلية الشركة تختلف من حيث التمتع بالحقوق من جهة ومن حيث التصرف من جهة أخري، ويقتضي هذا الأمر الأخير أن تعين الشركة من يمثلها ويقوم بمختلف الأعمال المنوطة بها، ويأخذ هذا الممثل مركزه القانوني تبعا للشكل القانوني الذي تختاره الشركة، وله ضوابط قانونية تحدد نظامه ومسؤوليته المدنية والجنائية، 
وقد نص القانون الموريتاني وغيره علي هذا التمثيل مبينا نوعه وحدوده الخاصة بكل صنف من الشركات , فنجد أنه علي مستوي شركة التضامن يعتبر كل الشركاء مسيرين إلا اذا تم تقييد خلاف ذلك علي مستوي النظام الأساسي  للشركة  جاء ذلك في المادة 309 من مدونة التجارة  وعلي مستوي الشركات ذات المسؤولية المحدودة , تقول المادة  359 من مدونة التجارة الموريتانية ” تسير الشركة ذات المسؤولية المحدودة من طرف شخص واحد أو عدة اشخاص  طبعيين يحدد المسيرون بحرية في النظام الأساسي ”  , كما أنه لا يشترط أن يكون المسير أو المسيرون من الشركاء بل  يجوز أن يكونوا من غير الشركاء فتقول المادة 360 من المدونة المذكورة في هذا الصدد ” يجوز اختيار المسير أو المسيرين خارج الشركاء , يمكن أن يقصر النظام الأساسي إمكانية التسيير علي الشركاء ” . وعلي مستوي شركات المساهمة يكون التسيير من طرف مجلس الإدارة الذي لا يمكن أن يقل عدده عن ثلاثة، ويكون رئيسه ومديره من الأشخاص الطبيعيين. 
وإذا كان المتصرف في المجموعات ذات النفع الاقتصادي شخصا معنويا، يجب أن يقوم بتعين ممثل من الأشخاص الطبيعيين، جاء ذلك في المادة 778 من مدونة التجارة الموريتانية “يدار التجمع من قبل شخص أو أكثر طبيعي أو معنوي وفي حالة كون الشخص المعنوي هو الإداري فإنه يعين شخصا طبيعيا ممثلا دائما عنه، ويمكن تعين أشخاص طبيعيين كإداريين من غير الأعضاء ” . 

المحور الثالث: توصيات تتعلق بتسهيل انشاء الشركات التجارية 
يظهر مما سبق بيانه أن الشركات التجارية، تتجلي أهميتها في كونها أحد روافد الاقتصاد الوطني وأعمدته، وهو ما جعل الحكومة الموريتانية تقوم باتخاذ الكثير من الإجراءات الهادفة إلى تسهيل الإجراءات المتعلقة بإنشائها، كان من أهمها اعتماد مدونة الاستثمارات والمرسوم المطبق لها، الذي اعتمد نافذة الشباك الموحد فتم من خلاله تجميع الهيئات المسؤولة عن الإجراءات الخاصة بإنشاء الشركات التجارية. 
وقد أصبح من الممكن لمراجعي الشباك الموحد سواء من المواطنين أو الأجانب أن يمارسوا مختلف الأنشطة التجارية والصناعية في موريتانيا من خلال تأسيس شركة تجارية أو مؤسسة فردية أو فرع لشركة محلية أو أجنبية او تجمع ذا منفعة اقتصادية. 
ولا شك أن هذه الخطوة كانت من أهم الخطوات الإصلاحية في المجال حيث استهدفت تبسيط الإجراءات المتعلقة بإنشاء المؤسسات، فقامت باختزال الزمان وتوحيد المكان، فأصبحت جميع الإجراءات المتعلقة بإنشاء هذه المؤسسات، يمكن إنجازها في ظرف زمني لا يتعدى ثمانية وأربعين ساعة على الأكثر وأربعا وعشرين ساعة على الأقل وذلك بعد تقديم الطلب في شكل استمارة موحدة. 
وللرفع من وتيرة تبسيط هذه الإجراءات الهادفة إلي تحسين ظروف إنشاء الشركات التجارية، أسجل بعض التوصيات الخاصة بتسهيل إنشائها، دون أن ننسي أنه منذ سنة 2013 اتجهت الدولة إلي اعتماد الشباك الموحد واجهة للمستثمرين باعتبار أن الهدف الرئيسي منه كفكرة هو سرعة الأداء وتجويد الخدمات المقدمة إلى الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين، والحد من البيروقراطية الإدارية والتقليل من أزمة الروتين الإداري، وهي أمور لا تتناسب مع تشجيع الاستثمارات والمبادرات الاقتصادية الحرة. 
وبالفعل قد نجحت فكرة الشباك الموحد إلى حد ما في التخفيف من وطأة التعقيد الإداري، ولمزيد من المواصلة في نفس النهج وحتى لا يتحول الشباك الموحد إلى معيق للاستثمارات ومعطل للمبادرات الحرة ومؤجل لكثير من المشاريع الاقتصادية أري أن تسهيل إجراءات إنشاء الشركات التجارية على مستواه، يجب أن يراعي تنفيذ ثلاث مقترحات:  
1 ـإعداد دليل للمستثمر
يجب إعداد دليل حقيقي، يأخذ في الاعتبار ثلاثة أبعاد مهمة، الأولي أن يحدد للمستثمر الأنشطة التجارية، الثانية توضيح الخطوات والإجراءات الإدارية اللازمة لإنشاء شركة تجارية أو مؤسسة فردية، الثالثة أن يكتب الدليل بلغة مهنية خالية من اللبس والعموم والغموض، ويقدم أجوبة لأسئلة ملحة. ولا بأس من مراجعته وتحيينه كل ما دعت لذلك ضرورة. 
2 ـ إعداد كوادر قادرة على فهم ملف تأسيس الشركات  
مجال الاستثمار عموما مجال صعب، تتشابك فيه العديد من التخصصات، لذا من الضروري للقائمين على الشباك الموحد أن ينتبهوا إلى تطوير كوادره على كل التخصصات المرتبطة بالاستثمار بما في ذلك تأسيس الشركات التجارية باعتباره الخطوة الأولي في ذلك الاتجاه، بل عليهم أن يستقطبوا كوادر من ذوي الكفاءات المهنية العالية لتكوين أطره على تلك المجالات، فمعرفة أسس ودعائم تأسيس الشركات والمخاطر المحدقة بتأسيسها من الناحية القانونية تتطلب من القائمين على الشباك الموحد اليقظة والحيطة في قضايا الشركات التجارية.  
3 ـ حسن التنسيق مع الجهات المسؤولة المكلفة بإنشاء الشركات التجارية 
لا بد من التنسيق المشترك والفعال بين مختلف الفاعلين ومن تقع عليهم مسؤولية إنشاء الشركات وحمايتها من الاختلالات القانونية التي قد تعترض طريقها، وقد وضحت ذلك المادة 4 من المرسوم 2021 ـ 017 الصادر بتاريخ 08 فبراير 2021 المنشئ للوكالة الوطنية لترقية الاستثمارات باعتبار الشباك الموحد جزء منها ويخضع لوصايتها، فحسن التنسيق واستمراره مع الجهات المعنية هو ما يضمن سرعة وجودة الخدمات الاستثمارية المقدمة للمستثمرين. 

إبراهيم الب خطري 
إطار بوزارة الشؤون الإسلامية التعليم الأصلي   
باحث في القانون والدراسات الإسلامية 

زر الذهاب إلى الأعلى