النخبة: من الادعاء إلى الاستكبار / الولي سيدي هيبه

النخبة بيت الداء ومقصد الشفاء
مع أننا لا نرفض مبدأ “النخبة” جملةً وتفصيلًا، يبقى من الضروري إعادة صياغته وتوجيهه من خلال رؤية نقدية صادقة. فالنخبة التي انحرفت عن جوهرها مطالبة اليوم باستعادة قيمها الأصيلة: التواضع، الإصغاء، والانتماء الصادق لمجتمعها الحقيقي. ذاك المجتمع الذي لا يُقاس بالثروات ولا الشهادات، ولا برأس المال الرمزي. فالنخبة الحقيقية ليست من تعتلي القمم، بل من ترفع المجتمع إليها.
فقدان الشرعية المتسارع
الواقع اليوم يُنذر بخطرٍ داهم مع تسارع فقدان النخبة لشرعيتها. لم تعد مصدر إلهام أو احترام، بل باتت مرادفًا لغضب شعبي متصاعد، تغذّيه نظرة ازدراء اجتماعي شبه علنية. إنها نخبة أصبحت منفصلة عن الواقع، تتصرف بادعاء واستعلاء، وشرعيتها اليوم في مهبّ الريح.
ادعاء التمثيل.. واحتكار الحقيقة
سواء كانت هذه النخبة سياسية أو اقتصادية، فكرية أو إعلامية، أدبية أو دينية، فهي تدّعي تمثيل الشعب، بينما ترفض الإصغاء إليه. تحتكر الحقيقة، وتفرض رؤيتها، وتُسارع إلى وصف أي معارضة أو نقد بـ”الشعبوية”، أو “الجهل”، أو حتى “الزندقة”. بهذا السلوك تبين عن ثلاث آفات خطيرة:
- الغطرسة: إذ تعتقد أن امتلاك الشهادات أو المناصب يمنحها الحقيقة المطلقة، فترفض أي رأي مخالف، مدفوعة بثقة عمياء لا تقبل المراجعة أو الحوار.
- الادعاء: يظهر في خطاب متكلف محشو بالمصطلحات، واستعراض دائم للألقاب، وحياة مترفة في أبراج اجتماعية مغلقة لا تعرف من “الشارع” سوى صوته الانتخابي.
- الازدراء الاجتماعي: فالنخبة المتنفذة لا تزال حبيسة منطق الهرميات الطبقية والولاءات القبلية، تنظر باحتقار – مُعلن أو مستتر – لمن هم دونها في السلم الاجتماعي.
النتيجة: سياسات فاشلة وغضب متصاعد
هذا الانفصام عن الواقع لا يأتي بلا ثمن. فحصيلته سياسات لا تراعي حاجات الناس، واتساع للفجوات الاجتماعية، وتآكل في شرعية الدولة والنظام. فحين تصر النخبة على احتكار القرار وترفض النقد، فإنها – من حيث لا تدري – تعد حتفها بأيديها، وتؤجّج دوامة انعدام الثقة التي قد تقود إلى الرفض الشامل لها.
الإصلاح.. لا الإلغاء
أزمة النخبة ليست شكلية، بل هي أزمة بنيوية تعكس قطيعة عميقة مع المجتمع. فليست المشكلة في المظهر، بل في ممارسة الدور، لأن جزء كبيرا من النخبة يعيش في عالمٍ افتراضي، بعيدا عن نبض المجتمع، ما يفاقم السخط ويُغذي الرفض المتنامي.
لكن الحل لا يكمن في هدم فكرة النخبة، ولا في الانجرار وراء خطاب شعبوي هدّام، بل في إصلاحها وإعادة تأسيس شرعيتها على أسس جديدة أهمها:
- النزول إلى الواقع، والاعتراف بأن المعرفة أو السلطة لا تعني امتلاك الحقيقة المطلقة.
- فتح حوار حقيقي مع المجتمع، بدلاً من الحديث نيابة عنه.
- التجذّر في الواقع، من خلال فهم احتياجات الناس ومطالبهم، بعيدًا عن الأرقام والمصطلحات.
فالنخبة التي تستحق هذا الاسم، ليست من تتربع على القمم، بل من تقود المجتمع نحوها.